المستقل – كتب : العميد المتقاعد هاشم المجالي
لقد سبق لنا أن خاطبنا رقباء المرور سابقا وقلنا لهم بأن القاعدة في الرقابة المرورية تقول : امنع سائق السيارة من المخالفة اولاُ ثم أزِل السيارة المخالفة ثانياُ ثم لوح ونبه للسائق بالمخالفة ثالثاُ ، فإن لم يتجاوب فحرر المخالفة عليها.
وها أنا الان اخاطب مدير الأمن العام واقول له : إنّ الشعب صار يُثقل كاهِلهُ من مخالفات السير، وصار سجلّ المخالفات عنده أسبق حضورًا من رغيف الخبز وعلبة الدواء وفاتورة المياه والكهرباء، هذا الشعب الذي أبتلى بأبطال هوليود البودكاست وفريق الرعد من بطل الملوخية وعنق الزجاجة إلى بطل الميه إلى بطل الدوغري وابطال اخرين انتم تعرفونهم أكثر مني أدوا إلى بطالة شباب هذا المجتمع وانحرافهم وجنوحهم للمخدرات والجرائم الجنائية، هذا الشعب الذي تجمد معاشه وقلّت حيلته وتغولت البنوك والقروض والديون على أولويات معيشته الضرورية قبل أن يبتلى في أخلاقه المرورية.
ومع ذلك الوضع فإننا لسنا ـ والله ـ بأعداءٍ للنظام ولا الإلتزام ولا حتى رافضين لفكرة المراقبة من الرقباء لأننا نؤمن بأن وجودهم في حياتنا ضرورة وبغض النظر عن اخطائهم ولا نستغني عنهم ، ولأن النظام هو روح العمران، ولأننا نؤمن أيضا بأن المخالفة ستكون رادعة للهوى وصائنٌة للنفوس البريئة . ولكن وللأسف تحولت فاتورة هذه المخالفات من نذيرٍ رحيمٍ إلى سوطٍ لاهب، ومن سياجٍ يحوط الحياة إلى قيدٍ يكبّل الأرزاق !
لقد صار الأردني يستيقظ وفي صدره آهات وأخّات، ولا يعرف أهي على رغيفٍ خبز يشتريه لأولاده، أم هي على علبة دواء تخفض حرارة عائلته أم هي من كاميرا نصبت في غير موضعها، أو سرعةٍ فُرضت في مكانٍ لا يوافق طبيعة الطريق. وكأنّما الغرامات وُضعت لا لتأديب العاصي، بل لتكدير المطيع، ولا لردع المستهتر، بل لإرهاق المواطن الذي يعيش من عرق جبينه هذا إن وجد عملا يعتاش منه . هذا المواطن المسخوط الذي يقود سيارة ليست له، أو يتكسب من استئجار سيارة تكسي او من تطبيق ليعمل عليها ليفي بالتزاماته ويسد جوع اولاده .
كلنا يعلم وصار من المؤكد أن هناك الكثير الكثير من أبناء هذا الشعب يؤجّلون تراخيص مركباتهم، لا عدم التزاما منهم في النظام، بل هو عجزاً عن دفع ما تراكم عليهم من غرامات ومخالفات، وهو بالتالي سوف يُحرم من التأمين على سيارته من الحوادث ولا يستطيع أن يدفع الى شركات التأمين غرامات المخالفات والحوادث التي صارت لمصلحة شركات التأمين ولا تنفع الناس بعد إفلاسها او تعقيدات معاملاتها .
وهنا انا اسأل مدير الامن العام عن العدل في أن يُغضّ الطرف عن سياراتٍ معدّلةٍ تصُمّ الآذان، ودراجاتٍ نارية تهتك سكينة الليل وتروع الأطفال في مهودهم، بينما يُشدّد العقاب ويخالف كل من يضع جلاتين يقي أبناءه أشعة الشمس ويلطف وهجها في الطرق التي معظها صحراوية او لم يتعود على وضع حزام الأمان ؟
وأيضا اسأل الباشا مدير الأمن العام عن العدل و الإنصافٍ في مخالفاتٍ غيابيةٍ مجهولة النسب والمكان والساعة، ثم يُحرم المواطن من حق الاعتراض عليها ؟ أما كان في مقدور صاحب القرار أن يجعل المخالفة تنبيهاً أوليا دون حسما ماليا، أو إن تكون زجرا ارشاديا وحافزاً معنويا لمن يلتزم ولا يخالف، فتكون المدرسة قد سبقت السجن، والرحمة سبقت العقوبة ؟
إننا لا نطلب المستحيل، ولكننا نسأل عن العدل؛ عن نظامٍ يردّع الفوضى ولا يرهق البريء، وعن قانونٍ يعاقب المسيء ولا يضيّق على المطيع.
فمن يعلّق هذه الأجراس يا سادتي؟ ومن يردّ لهذا الشعب اعتباره في زمنٍ اشتدّت فيه المحن الاقتصادية والسياسية والنفسية؟
لعلّ التاريخ يحمل لنا يوماً ما لقاء على البودكاست مع صاحب السلطة السابق ليروي لنا فيها لنا عن عدله المطلق فيما مضى من عهده ، أو يدافع بها عن قراراته التي ارهقت جيوب الشعب الفقير ، ويظهر لنا وكأنه فاروقا بعدله وعثمانا برحمته وعليّا في حكمته ، ولكن ـ والله أن الحق بيّن وسيبقى صدى أنين الناس وآهاتهم وآخاتهم ودعواتهم أبلغ من كل دفاعاتهم، وأخلد من كل تبريراتهم.