المستقل – كتب : ابو نايف
في خضم التصعيد المستمر بين إسرائيل وإيران، برزت مجددًا عقيدة “خيار شمشون”، وهي سياسة الردع النووي التي تحتفظ بها إسرائيل في حالة مواجهة تهديد وجودي. هذه العقيدة التي بقيت لعقود طيّ الكتمان، عادت إلى السطح عبر تهديدات ضمنية ورسائل تسريب إعلامية، لا تشير فقط إلى مواجهة إيران، بل إلى احتمالية اتساع نطاق الردع ليشمل أطرافًا دولية.
وقد بدأت الشرارة عبر ما عُرف بـ”عملية الأسد الصاعد”، وهي سلسلة من الضربات النوعية التي نُسبت إلى إسرائيل داخل الأراضي الإيرانية، استهدفت منشآت عسكرية ونووية وأدت إلى مقتل عدد من كبار القادة والعلماء. هذه الضربات تزامنت مع تصعيد في جنوب لبنان وغارات على مواقع تابعة لحزب الله، ما جعل المنطقة بأكملها على شفا مواجهة شاملة.
الرد الإيراني جاء بصواريخ بعيدة المدى طالت مناطق في العمق الإسرائيلي، ما أدى إلى تفعيل أنظمة الدفاع الجوي وإطلاق إنذارات في تل أبيب والقدس. ورغم محدودية الأضرار، إلا أن الرد الإيراني كسر ما وصفه المراقبون بـ”هالة الحصانة الجوية” الإسرائيلية. في المقابل، أعلنت الولايات المتحدة أنها لم تشارك مباشرة في الضربات ضد إيران، لكن مسؤولين أمريكيين أكدوا استمرار التعاون الاستخباراتي والدفاعي مع إسرائيل.
السيناتور الجمهوري ماركو روبيو صرّح: “ما قامت به إسرائيل يدخل في إطار الدفاع المشروع عن النفس، وعلينا أن نمنع إيران من حيازة قدرات تهدد أمن حلفائنا”. ومع ذلك، عبّر عدد من النواب الأمريكيين عن تحفظهم بشأن الانزلاق إلى مواجهة جديدة. السيناتور الديمقراطي تيم كاين أعاد طرح مشروع قانون يقيد صلاحيات الرئيس في شن الحروب دون تفويض الكونغرس، قائلاً: “يجب ألا نكرّر خطأ الدخول في صراعات غير منضبطة.
الولايات المتحدة بحاجة إلى دبلوماسية ذكية، لا حروب لا نهاية لها”. على الأرض، لم تُعلن إسرائيل رسميًا نيتها استخدام السلاح النووي، لكن حديث وسائل الإعلام الإسرائيلية وبعض التسريبات الاستراتيجية أعاد الحديث عن سيناريو “خيار شمشون” – وهو الخيار النووي الإسرائيلي الذي وُضع أساسًا لضمان ألا تُهزم الدولة في حرب وجودية. هذا التصعيد اللفظي أثار ردود فعل دولية، أبرزها تحذير من باكستان بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا جرى استخدام السلاح النووي في المنطقة، وهو تحوّل لافت في معادلة الردع. وفي خضم هذا التوتر، تقف الولايات المتحدة بين جناحين متضادين: أنصار ترامب (MAGA) الذين يرفضون أي تورط أمريكي في حرب لحساب إسرائيل. والمحافظون الجدد، مثل السيناتور ليندسي غراهام، الذين يدفعون نحو دعم تل أبيب بلا شروط.
الداخل الأمريكي يشهد أيضًا انقسامًا سياسيًا حادًا، تُرجم إلى اضطرابات أمنية شملت تهديدات واعتداءات نادرة ضد شخصيات سياسية، مما يعكس مدى هشاشة الموقف الداخلي في بلد يعاني أصلًا من استقطاب غير مسبوق.
إلى أين تتجه المنطقة؟ هناك ثلاثة سيناريوهات متداولة بين مراكز الدراسات وصنّاع القرار:
1. التصعيد الشامل: ويتضمن مواجهة مفتوحة تشمل إيران، إسرائيل، حزب الله، وربما تدخل أطراف إقليمية مثل اليمن وسوريا. هذا السيناريو يظل مكلفًا وخطرًا، ويجد معارضة شديدة من الداخل الأمريكي والدولي.
2. الردع المتبادل: وهو السيناريو الأرجح حاليًا، حيث تسعى كل من إسرائيل وإيران لإرسال رسائل قوة دون تجاوز الخط الأحمر، مع استمرار العمليات الاستخباراتية والضربات المحدودة.
3. التفاهم الإقليمي: وهو احتمال ضعيف لكنه مطروح، يقوم على وساطة دول مثل الصين أو تركيا أو حتى روسيا لإعادة ضبط الإيقاع الأمني، خصوصًا بعد التقارب السعودي الإيراني الأخير.
خلاصة المشهد المنطقة تتجه نحو معادلة ردع جديدة، تقوم على التلويح بالقوة النووية مقابل احتواء التصعيد عبر قنوات غير معلنة. ما يجري ليس مجرد مواجهة تقليدية، بل اختبار دقيق للحدود النفسية والسياسية التي يُسمح بتجاوزها. إسرائيل تحاول فرض معادلة “الردع الصامت”، فيما تراهن إيران على كسر الهيبة الإسرائيلية دون الانزلاق إلى حرب مفتوحة. أما واشنطن، فتجد نفسها مجبرة على الموازنة بين دعم الحليف التاريخي وبين تجنّب حرب قد تعيد إشعال الشرق الأوسط بالكامل.