المستقل – سامح المحاريق
قبل أن تعلن قوات الاحتلال الإسرائيلي عن إنهاء عمليتها ضد مخيم جنين، وبعد التكلفة الباهظة يستقبل سجل التضحيات الفلسطيني أسماءً جديدةً من الشباب المقاوم داخل المخيم، ويرى العالم سكان المخيم يغادرون منازلهم أمام حالة من التوحش والسعار التي أصابت الجانب الإسرائيلي، في نكبة مصغرة تختلف فقط في الإصرار على العودة ولو كانت إلى خرائب المخيمة وسط بنيته التحتية المدمرة
في تلك المرحلة التي وجدت اسرائيل نفسها في ورطة جندت بسببها إعلامها الموجه ليدفع بمجموعة من الأكاذيب عن استهداف المقاومين لأهالي المخيم، أتت عملية الدهس في تل أبيب من قبل شاب فلسطيني من قرية السموع التي تقع في جنوب الضفة الغربية لتخلف وراءها ثمانية مصابين، والفتى عبد الوهاب الخلايلة على الرغم من انتمائه التنظيمي إلى حركة حماس، يعتبر من الذئاب المنفردة، والمصطلح يشير إلى الأفراد الذين يأتون بأعمال (عنف) بسبب قضايا أيديولوجية أو فكرية أو سياسية يؤمنون بها، ولكن العملية نفسها تأتي بمعزل عن التخطيط المسبق والدع? اللوجيستي من التنظيمات التي تتبنى هذه القضايا، وكثيراً ما يكون الذئب المنفرد يعمل بمعزل عن التنظيم أو غير مرتبط به من الأساس
الاستخدام الكثيف للأسلحة الخفيفة المحصنة وراء الدروع مع تغطية جوية من الطائرات المسيرة والعمودية أعلن عن نية اسرائيلية لاستعراض القوة، والحديث عن عدد المقاومين داخل المخيم أتى في مقارنة مع أعدادهم في الضفة الغربية يؤكد على وجود خطة اسرائيلية للتوسع في عملياتها العسكرية مستقبلاً، وبناء على التطورات السياسية لاسترضاء الشركاء المتطرفين في حكومة بنيامين نتنياهو
في مشاهد الاقتحام يتقدم الجنود الإسرائيليون في صفين متوازيين، وبايقاع منضبط، وهذه أساليب لا تناسب حروب العصابات، ويعود السبب إلى عدم معرفتهم الكاملة بالواقع الميداني للمعركة، وللخوف من تكرار حادثة الجندي جلعاد شاليط الذي احتجز في غزة لسنوات
في الفترة الأخيرة، حدثت أكثر من هجمة فلسطينية داخل التجمعات الإسرائيلية، مثل هجومي رعد حازم وضياء حمارشة سنة 2022، وبذلك خلقت الهجمات الفلسطينيين من الذئاب المنفردة حالة من الرعب السائل داخل اسرائيل، فلا يوجد أحد يعيش بصورة امنة في أي مكان وفي أي وقت، وهذه تكلفة اجتماعية عالية لا يمكن أن تستمر وقتاً طويلاً
يتلقى الفلسطينيون ضربات شرسة ومؤثرة ولكن خبرتهم التاريخية في المقاومة وتتابع النوازل التي لحقت بهم تسعفهم في مداواتها واستعادة النمط الطبيعي لحياتهم، وهو نمط محدود الأفق والإمكانيات من الأساس نتيجة ظروف الاحتلال غير الإنساني والعنصري في ممارساته، ولذلك فالفلسطينيون يعيشون حالة «أنا الغريق فما خوفي من البلل»
على الجانب الآخر، فالوضع الإسرائيلي يشبه شخصاً مصاباً بآلام تؤشر إلى وجود مرض في مكان ما، ولا يوجد أي تشخيص يمكن أن يحدد الجزء الذي يسبب المعاناة، ولذلك فالمعاناة مستمرة، ونوبات الألم تأتي من كل اتجاه، وهذه وضعية لا تطاق، ومع الوقت ستتحول إسرائيل إلى منطقة طاردة سكانياً، وبحيث تفرغ من المجتمع العلماني الذي لا يرى دافعية كبيرة للبقاء خاصة أنه يتكون من فئات متعلمة وذات تنافسية عالية في الأسواق العالمية، ومع تحفظ الأرثوذكسية اليهودية على فكرة اسرائيل الدولة من الأساس، فالمواقع السياسية ستبقى للمتطرفين دينياً ?ن أصحاب التفسيرات الملتوية للتراث اليهودي، العصابيين والعدوانيين، الذين يستدعون هرمجدون، أو حرب نهاية العالم
هذه الأوضاع مرشحة للتطور بصورة متسارعة، وفي ظل وجود مخزون نووي اسرائيلي ودخول خيار شمشون في العقيدة الإسرائيلية، فالخيار هو العمل على تقويض اليمين الإسرائيلي وفضحه بصورة متواصلة، أما محاولة مداراته والتفاهم معه فتبقى مسألة من غير طائل كما أثبتت التجارب الأخيرة، لأنه مجتمع يفكر بصورة المحصلة الصفرية، أي كل شيء أو لا شيء، وفي هذه الحالة فالخيارات صعبة ومحدودة، وبالغة التكلفة أيضاً
الذئاب الشابة تبحث عن الكرامة والحياة المناسبة لأبناء شعبها على أرضهم، والحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية، ولا تمارس العداء بصورة مجانية، والواقع في مرحلة ما قبل الانتفاضة الأولى يمكن أن يظهر بوضوح كيف تحولت الأمور مع تصعيد استراتيجيات العنف ضد الفلسطينيين، وليس العرب وحدهم بالضرورة الذين توضع على طاولتهم الخيارات البائسة، فالخيارات الإسرائيلية ستزداد بؤساً مع الوقت