المستقل – هل “حرية التعبير” تعني حقّنا في الحديث، أم تتعلق أيضًا بالحق في أن يتم الاستماع إلينا؟
الإجابة الصادمة سنسمعها من أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة برينستون “أرفيند نارايانان”، إذ يقول: “الأمر يعتمد على الخوارزميات”!.
وكل فترة، تتعرض خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي، لاتهامات بالتدخل في عمليات الانتخاب وإثارة الأحداث وتوجيه الرأي العام لتغليب وجهة نظر على أخرى، وكان أبرز ما اتُهمت به، هو دورها في فوز الرئيس ترامب عام 2016.
في البرازيل تم حظر منصة “إكس”، بسبب تدخلها في الانتخابات. كما لجأ الاتحاد الأوروبي لوضع قواعد تقضي بتغريم شركات التكنولوجيا، بسبب التدخل الانتخابي.
وفي بريطانيا أجبروا المواقع على تشديد معايير تعديل المحتوى. أما في أمريكا، فواجه “تيك توك” الصيني، احتمالات الحظر.
لكن قدرة العرب على فرض تعديل على الخوارزميات، ما زالت محدودة، رغم تعرض ثقافتهم ومعتقداتهم للكثير من الغبن، في منشورات السوشال ميديا، فالأمر يتطلب موقفًا موحدًا وصياغة مشروع عربي واضح، وهو ما لم يتوفر حتى الآن!.
يُفاجَأ الناشطون العرب على السوشيال ميديا، برسالة تفيد بحذف بعض منشوراتهم القديمة على فيسبوك؛ ما يعني أن تعديلاً حديثًا طرأ على عمل الخوارزميات، لكن المنشورات القديمة ليست الهدف، إنما الغاية هي تغيير سلوك الناشطين في منشوراتهم الحديثة.
ويضطر الناشط العربي اليوم، إلى تمويه الكلمات التي تلاحقها خوارزميات السوشال ميديا، لكن تشفير شكل الكلمة، لا ينجح دائمًا، لأن تعديل الخوارزميات قائم على مدار الساعة، خاصة أثناء الأحداث والتطورات التي تجتاح العالم.
قل ما تشاء.. ونحن نحدّد من يستمع!
الخوارزميات ليست مختلة عقليًّا، حتى تجاهر باستبداد الآراء والثقافات، فمن الممكن أن تعطيك حرية التعبير عن الرأي، لكنها ستتحكم في إمكانية وصوله للآخرين.
هكذا يحسم الصحفي “ماكس فيشر” الأمر، في كتابه “آلة الفوضى”، بعد دراسة على مئات الناشطين في السوشال ميديا.
ويبدو أن هذه القاعدة اتُبعت كثيرًا، في التعامل مع منشورات الناشطين العرب الذين انتقدوا منشوراتٍ تسيء لعاداتهم ومعتقداتهم، فالخوارزميات سمحت بالنشر، لكنها قيّدت الانتشار، كي لا يحصل تغيير في الرأي العام.
في مؤتمر القاهرة للإعلام، الذي أقيم في الأسبوع الأول من نوفمبر الجاري، وجه المشاركون انتقادات لمنصة “ميتا” وإنستغرام، بسبب انحيازهما لإسرائيل في الحرب على غزة، وقيامهما بحذف المنشورات التي ترفض قتل الأطفال الفلسطينيين.
وسبق لمنصة “ميتا” أو فيسبوك، أن اعتذرت عن حجب تلك المنشورات أو إزالتها، مبررة ذلك بالخطأ الفني أو التقني، لكنها استمرت في النهج نفسه حتى الآن.
ويقول خبير تكنولوجيا المعلومات حسين العلي، لـ”إرم نيوز”: “يعتبر فيسبوك وإنستغرام، مناوئين للقضايا والثقافة العربية، أما التليغرام وإكس، فهما أكثر حيادية ويعرضان المنشورات دون تدخل، وهذا يرتبط بسياسة شركات التكنولوجيا”.
ويرى العلي، أن منصات السوشال ميديا، كانت أفضل من وسائل الإعلام الغربية، في التعامل مع الشؤون العربية، وخلال السنوات الأخيرة تفوقت عليها، وأصبحت هي مصدر الأخبار والمعلومات.
أين الفيسبوك العربي؟
هل بالإمكان تأسيس منصة عربية على السوشال ميديا، لها خوارزميتها الخاصة وسياستها المعبرة عن الثقافة العربية؟ يقول الخبير التكنولوجي حسين العلي:
“لو أراد العرب إنشاء منصة على السوشال ميديا، لأمكنهم ذلك. فالإمكانات متوفرة من الناحية التقنية والمالية”.
الحلم بـ”فيسبوك” عربي، يعتبر أمرًا مشروعًا بالنسبة للعرب، في ظل معاناتهم من المنابر العالمية أثناء التعامل مع قضاياهم. ويضيف العلي: “التجربة حصلت في الإعلام المقروء والمرئي، عندما عمد العرب إلى تأسيس الصحف والمحطات الفضائية التي نافست محطات الغرب في التغطية وبث الأخبار”.
تؤكد تجربة منصات السوشال ميديا، وأسلوبها الانتقائي في النشر ودعم المنشورات، عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي، أن صلاحيات المشترك، لا تتساوى مع صلاحيات المؤسس، فهل يمكن أن يقبل فيسبوك بتقديم 3 مليارات مشترك لديه، على طبق من ذهب، من أجل قضايا العرب وثقافتهم؟ .