المستقل – د . محمد حسين المومني
في ضوء تصاعد وتيرة العمل الحزبي على امتداد الوطن، يبادر عدد من الأحزاب لاستقطاب القيادات المجتمعية والمواطنين الذين قد يشكلون إضافات نوعية للحزب. العملية برمتها إيجابية وبناءة، تخلق القيادات وتناقش هموم الوطن ومستقبل تحديثه السياسي، وفي النهاية، يتوقع أن تشكل حالة من التنافسية السياسية والبرامجية التي تصب في صالح الوطن. على إيجابية كل ذلك، فعديد من الأحزاب، لا سيما التي في طور التشكيل، ما تزال تضع العربة أمام الحصان، فتبادر للاستقطاب والتجنيد الحزبي على أسس جغرافية وديموغرافية، تسعى للتنوع وإثراء الحزب، وإظهار تعدديته وتنوعه، ولا تقدم نفسها كبرنامج وأجندة عمل، مع أن الأصل، وتجاربنا السابقة تعلمنا، أننا لا بد أن نضع البرنامج أولا، وأن يكون هذا البرنامج عمليا قابلا للتطبيق، وليس شعارات تنظيرية لا يختلف عليها أحد. والتحدي الثاني الذي تقع به الأحزاب، والمجتمع والنخب، أنها ما تزال تعرف الأحزاب بشخوص قيادتها، مع أن الأصل أن تظهر هوية الحزب بطرحه، وليس فقط بشخوصه، وأن تحاول تحييد تنافسية الأسماء قدر الإمكان.
أمر آخر جدير بالملاحظة، أن كثيرا من الأردنيين يتساءلون الآن عن هويتهم الحزبية في تعاطيهم مع طلبات الانضمام للأحزاب التي تقدم لهم. هم لم يخبروا ذلك من قبل، فتراهم يتفاعلون ويجدون أجزاء من قيمهم السياسية تتمثل في اليسار وأخرى في اليمين أو الوسط، ولا يرون أنهم محسوبون على لون بعينه. يتساءل غالبية هؤلاء: ما الحزب الذي يمثلني حق تمثيل؟ وما لوني الإيديولوجي والبرامجي الحزبي؟ وأين أجد ذاتي في خريطة الأحزاب الأردنية المقبلة؟ لذلك فحال معظم الذين يفكرون بالتحزب الآن هو الاستماع باهتمام دون اتخاذ قرار، والانتظار لحين اتضاح الصورة أكثر وظهور التباين في الطرح، وعندها قد يكونون في وضع أفضل من الآن في حسم أمرهم بشأن الانضمام للأحزاب.
بعض آخر من الأردنيين ما يزال غير مقنتع أن البلد سيسير بحق في اتجاه الحزبية، متأثرا بطبيعة الحال بتاريخ من الانطباعات السيئة عن الحزبية. يعمق ذلك أن قواعد العمل من قبل الدولة آخذة بالتغير، فالدولة تحجم عن قصد عن أي تدخل أو محاولة تأثير في الخريطة الحزبية، تكتفي بالتشجيع وتأكيد الالتزام بمستقبل التحديث السياسي، تاركة المشهد يتشكل بصورة ذاتية، ولا تريد أن يسجل عليها أي تدخل قد يكون له تكاليف سياسية مستقبلية. في ذلك حكمة، لكن لا بد أيضا من إدراك أن الأردنيين لم يعتادوا العمل الحزبي ويحجموا عنه، وهذا قد ينتج خريطة حزبية غير مريحة أو متوازنة، لذا فلا بد من العمل على تشجيع مستقبل العمل الحزبي، والتأكد أنه يسير في طريق يصب بمصلحة البلد، ويخلق أجواء تنافس برامجية إيجابية، وأن يتم كل ذلك دون تدخل أو تسيير، بل بنهج مختلف ذكي حكيم وغير مباشر.