المستقل – كتب : خالد دلال
إن كان هناك من يعتقد أن استمرار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في السلطة سيعرض مستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته المصيرية إلى خطر وجودي، فعليه أن يدرك أن الخطر الحقيقي والأكبر يكمن في بقاء قطبي اليمين الإسرائيلي المتطرف؛ وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، في الحكومة الإسرائيلية، وفي قدرتهما على التغلغل في الرأي العام والساحة السياسية، وفرض مواقفهما وسياساتهما المتطرفة واقعا.
فنتنياهو، الذي يواجه قضايا رشوة واحتيال وخيانة للأمانة منذ أربع سنوات قد تطيح بحكمه -وقد بدأت العجلة تتحرك ضده مجددا في أروقة المحاكم في تل أبيب- لا يهمه سوى النجاة بنفسه تجسيدا للمقولة الفرنسية الشهيرة “أنا ومن بعدي الطوفان”. وعليه، فإن وجد الدعم من حكومته، أولا، ومن سيد البيت الأبيض القادم بقوة، دونالد ترامب، ثانيا، سيمضي في عملية سلام يكون أساسها المراوغة والمماطلة والتفاوض فوق الطاولة وتحتها وقلب الحقائق، لكنه في النهاية سيرضخ للتسويات السياسية إن كانت تخدم وقبل كل شيء استمراره في السلطة. وهذا حال النرجسيين في الحكم عبر التاريخ.
لكن القصة أخطر ومختلفة تماما مع الثنائي الصهيوني المتشدد، ولن يتهاونا في الإطاحة بالحكومات التي تعارض توجهاتهما الاحتلالية لكل شبر فلسطيني.
فسموتريتش؛ المستوطن المولود في الجولان المحتل الذي يرأس حزب الصهيونية الدينية، هو صاحب فكر توراتي استيطاني يدعو إلى احتلال قطاع غزة بالكامل وتهجير شعبها، وهو ذو توجه متطرف يسعى إلى بسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية. كما أنه من الداعمين لدولة إسرائيلية تقوم على القوانين الدينية لتشمل كل فلسطين التاريخية. ويعمل باستمرار للتحريض على هدم المنازل ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية، ومن المؤيدين بشراسة للعنف ضد الفلسطينيين هناك. كما يعمل وفق نهج لخنق وتدمير السلطة الفلسطينية ومؤسساتها.
أما بن غفير، وهو زعيم حزب القوة اليهودية، فهو صاحب فكر فاشي عنصري، ومن المؤمنين بضرورة شطب اتفاق “أوسلو” من القاموس الإسرائيلي، وهو معارض بالمطلق لإنشاء الدولة الفلسطينية، وصاحب مشروع يسعى إلى تهويد المسجد الأقصى، والعمل على تسييس قوات الشرطة الإسرائيلية والمستوطنين ودعم عنفهم ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، كما يعمل في الخفاء للتنكيل بالأسرى الفلسطينيين وتبني أكثر الأساليب وحشية ضدهم. وقد دعا إلى إقامة كنيس يهودي في المسجد الأقصى. ويتبنى خطاب الكراهية صراحة ضد العرب والمسلمين.
وقد أدى كل ما تقدم، في بيان حقيقة سموتريتش وبن غفير، إلى إطلاق دعوات دولية لفرض عقوبات عليهما، حتى أن الأمر وصل إلى مطالبات من داخل إسرائيل نفسها لإقصاء الثنائي المتطرف من الساحة السياسية كون أن البعض يرى فيهما خطرا حقيقيا على وجود ومستقبل إسرائيل. ويعتقد بعض المحللين أن السبب الرئيسي في مماطلة نتنياهو لإنهاء حرب غزة هو خشيته من إسقاط سموتريتش وبن غفير لحكومته وتعريته سياسيا.
والسؤال يبقى: ما العمل لمواجهة هذا الثنائي الصهيوني المتطرف؟ ولعل البداية تكمن في دعم الجهود الدولية الرامية لمعاقبتهما ومحاصرة فكرهما العنصري، وصولا إلى ضغط عالمي على المجتمع الإسرائيلي، بمختلف أطيافه السياسية والاجتماعية، لإحلال من يؤمن بالسلام على أساس حل الدولتين بديلا لهما.
نحن فعلا أمام ثنائي كارثي على مستقبل السلام في الشرق الأوسط، ولا بد من لجمهما، خصوصا فيما يتعلق بخططهما الجهنمية القادمة في الضفة الغربية، ولا بد من رفع درجة التأهب والتصدي على مختلف المستويات السياسية في المحافل الدولية وعواصم صنع القرار العالمي قبل فوات الأوان، وقبل أن تغدو القضية الفلسطينية “نَسْيًا مَنْسِيًّا.
“الغد”