المستقل – كتب: النائب الأسبق الدكتور احمد الرقيبات
عندما نتصفح الحاضر العربي ونستشرف المستقبل قد نستنتج ان مرارة الماضي افضل من جمال الحاضر وحلاوة المستقبل، لقد وصل الحال في وطننا العربي الذي سيبقى “مصدر فخرا واعتزازا لإبنائه” ما داموا يعيشون على ترابه، رغم كل ما عانوا من ويلات الحروب والأزمات التي حلت بدوله وشعوبه.
لقد بدأت المعاناة منذ انهيار الأمبروطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى وحل الاستعمار البريطاني الفرنسي محلها، وعمل على تقسيم الوطن العربي الى عدة دول يلتقي رؤسائها داخل الجامعة العربية ويتفرقون فكريا وعمليا خارجها.
فمنذ ان فرضت اتفاقية سايكس بيكو الإنتداب على بلاد الهلال الخصيب عام 1916 واقامت بريطانيا الانتداب على فلسطين والأردن وجنوب العراق، وفي المقابل فرنسا على شمال العراق وسوريا ولبنان وأصدرت الدولتان قرار وعد بلفور الظالم، الذي نص على إنشاء وطنا قوميا لليهود في فلسطين التي ما زال اهلها يعانون من ظلم القرار ومصدريه ومؤيديه حتى هذه اللحظة.
ان هذا القرار لم يصدر حبا في اليهود ولا كرها في العرب بل صدر ليثبت الخارطة الإستعمارية التي رسموها لخدمة مصالحهم في المنطقة والعالم وزرعوا هذا الجسم الغريب في خاصرة الوطن العربي الذي لم يعتاد على احتضان اعدائه، حيث تمثل القرار في إنشاء دولة الكيان التي نصارعها اليوم.
لقد كان هذا الهدف مصدر قلقا للدول العربية وخاصة دول المواجهة المباشرة مع الكيان الذي اعاق نهضتها وتطورها وتحديثها من خلال افتعال الحروب المتتالية معهم، وايصال تلك الدول الى ما آلت اليه اليوم، حيث احتل بعضا منها واجزاء اخرى من البعض الأخر، ولم يبقى امام الدول العربية سوى خياران احلاهما مرا ولا ثالث لهم، فإن القبول بالهيمنية “بالصهيو-عالمية” التي تتضمن خارطة شرق اوسط جديد المعلن عنها تحت مسمى صفقة القرن، التي يعتبرونها حلا يمكن فرضه وتحقيقه بطرق التفاوض الدبلوماسي واما مناهضة مشروع الهيمنة انف الذكر ومقاومته بكافة السبل المتاحة وبجميع اشكال المقاومة الممكنة وتحمل المزيد من نتائج الحروب الأهلية والإقليمية التي وقعت وقد تقع مع الدول المجاورة للوطن العربي والتي تهدف الى تدمير المنطقة بكاملها.
فقد تمكن اعداء الأمة من اشعال الحرب العراقية الإيرانية التي تزامنت مع اتفاقية السلام العربية الإسرائيلية وتبين فيما بعد ان الهدف الحقيقي منها ليس سلاما عادلا وشاملا بل ابرام سلام جزئيا مع مصر كونها اكبر قوة عربية لإبعادها عن المشاركة في تلك الحرب بالشكل الذي يليق بها عربيا وعالميا، وبعد انتهاء تلك الحرب وإضعاف اطرافها دفعوا بالعراق الى دخول دولة عربية جارة بهدف كسب الرأي العربي والعالمي في معاداة النظام السياسي في العراق وإسقاطه وتدمير امكانيات الدولة العراقية العسكرية منها والمدنية، وبعد ان نجحوا في تحقيق ذلك ذهبوا لتطبيق نفس المشروع في ليبيا واليمن وسوريا، واستغلوا عملية طوفان الأقصى لتدمير غزة وجنوب لبنان وتهجير شعبيهما، وتكون تلك الاحداث مقدمة لما حصل وسيحصل في الدولة السورية والمنطقة في المستقبل القريب.
وحسب اعتقادي المتواضع؛ ان لم توافق جميع الدول العربية على صفقة القرن الظالمة، ستدخل سوريا والمنطقة في سيناريو لا يختلف كثيرا عما حصل في أفغانستان على مدى 43 عاما، حين غزتها القوات السوفيتية عام 1978 وخرجوا منها عام 1990 وتلى ذلك مرحلة الصراع على السلطة التي استلم فيها الحكم محمد نجيب الله منذ عام 1987 الى عام 1992، حيث اعلن استقالته من الحكم وتنحيه رسميا من حزبه الحاكم بتاريخ 16-2-1992 محاولا طلب اللجوء السياسي ومغادرة البلاد، ولكن مقاتلي الجنرال عبد الرشيد رستم منعوه من ذلك وبقي محتجزا في مقر الأمم المتحدة، حتى اقتحمت قوات طالبان المقر واعتقلته واعدمته شنقا وسط العاصمة كابول 27-9-1996، واشتعلت بعدها الحرب الأهلية التي انتهت بهروب اشرف غني الى طاجكستان عام 2001، وانتهت الحرب الأهلية بسيطرة طالبان على جل الأراضي الأفغانية، مما اغضب امريكا وحلفائها وقامت بغزو البلاد وأستمر القتال على طالبان حتى عام 2021 حين توقفت الحرب بناءا على طلب امريكي، وأعلنت أنسحابها من افغانستان وهي تجر ذيول الهزيمة.
لقد عانى الشعب الأفغاني 43 عاما من الحروب والأزمات؛ 12 سنة ضد السوفيت وتلاها 6 سنوات صراعا على السلطة وصياغة الدستور، ثم تلاها 5 سنوات حرب اهلية، وبعد ذلك استمر الغزو الأمريكي لإفغانستان عشرون عاما.
ان المنطقة العربية تمر اليوم باخطر مرحلة في تاريخها فإما ان توافق على المشروع “الصهيو-عالمي” واما ان تدخل سوريا بالذات والدول المجاورة لها في دوامة عنف لم يسبق لها مثيل قد تطول الى عشرات السنين ولن يقدر احد ان يتنبأ بحجم الدمار الذي سيلحق بالمنطقة والعالم ولن يستطيع احد التنبأ بالنتيجة وتحديد من الرابح والخاسر فيها.
ان هذا التصور يضعنا امام امرا يسمى اللاخيار، وعليه يتوجب على القادة العرب ان يعقدوا قرارات تخدم دولهم وشعوبهم وانقاذ وطننا العربي الكبير من المفروض على دوله عاليما وإقليميا، هذا هو الواقع المرير الذي نعيشه اليوم، وإن غدًا لناظره قريب.