قد اتفهم ان تطالب النرويج او الدنمارك سوريا بالديمقراطية.. ولكن كيف اتفهم مطالبة طغاة آخرون لسوريا بالديمقراطية؟ انها احجية.
2- قتل الشعب: تتركز التهمة في سوريا على أن النظام وايران وحزب الله قتلوا آلاف المدنيين السوريين، وعند مراجعة ارقام المعارضة وارقام النظام السياسي وارقام الامم المتحدة ولجان حقوق الإنسان والمرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض وبعض التقديرات الغربية فان عدد القتلى متباين الى حد كبير جدا ، واقل رقم وجدته هو حوالي 330 الف قتيل حتى عام 2020 ، واعلى رقم وجدته هو حوالي 840 الف قتيل حتى مارس 2024(أي قبل الازمة الحالية)، فمن قتل هؤلاء جميعا؟ يتبين ان المسؤولية مشتركة بين النظام والمعارضة، فطبقا للارقام خسر الجيش والشرطة السورية وحزب البعث حوالي 175 الف قتيل، بينما خسرت المعارضة وانصارها حوالي 140 الف قتيل، ومع اقراري بالتباين الكبير بين الارقام فان النظام والمعارضة قتلوا مئات الآلاف من بعضهم، المرصد السوري المعارض يشير إلى حوالي 20 الف مدني قتلتهم المعارضة وبخاصة داعش وقسد والجيش الحر وجبهة النصر وحلفاؤهم… الخ بينما قتلت قوات الحكومة أضعاف ذلك..وهو ما يعني أن التركيز على من قتلهم النظام وغض النظر عن من قتلتهم المعارضة هو أمر بحاجة للتأمل والبحث عن دوافعه..فكلاهما مارس القتل، وكلاهما يصف قتله للآخر بانه ” حق”.
3- التحالفات في المعركة: تكاد أن تجمع التقارير الاكاديمية على ان خريطة التحالفات في هذه الازمة واضحة تماما، فسوريا الحكومة وايران وحزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية ومعهم روسيا يشكلون الجبهة الاولى، اما الجبهة المقابلة فتضم حركات دينية وعلمانية وقومية سورية تساند كل منها جهة خارجية، فقطر باعتراف رئيس ورزائها السابق قال بشكل صريح ان بلاده دفعت 137 مليار دولار للمعارضة، وتركيا (العضو المهم في حلف الناتو ،والمعترفة باسرائيل اعترافا تاما ، والشريك التجاري الاول في الشرق الاوسط لاسرائيل والاكثر اتفاقات امنية معها لتصل الى 12 اتفاقية وتحتل 8800 كيلو متر مربع في سوريا، بل ان مسؤولا حزبيا يدعي منذ ايام ان حلب مدينة تركية ) ، ثم هناك امريكا واسرائيل لا تخفيان تاييدهما للحركة الكردية ، ويكفي تتبع مراكز الدراسات الاسرائيلية وتوصياتها في هذا المجال ، فهل اسرائيل حريصة على حقوق الاكراد بينما هي تنكر حقوق الفلسطينيين ، وهل اسرائيل تدافع عن الاكراد ضد النظام السياسي السوري بينما هي محكوم عليها من اعلى هيئة قضائية في العالم بجريمة الابادة الجماعية ؟ ، كما ان دولا خليجية أخرى ساهمت في هذا الدعم،بل ان حدود هذا الدعم كان احد أسباب تفجر الخلافات بين قطر وبعض دول الخليج..ذلك يعني أن سعي النظام لايجاد حلفاء لا يختلف عن سعي المعارضة لجلب حلفاء حتى لو كانت اسرائيل من بينهم.
4- الوجود العسكري الاجنبي: إذا كان الوجود الايراني والروسي ثغرة في السيادة والاستقلال السوري، فكيف ننظر للوجود الامريكي والتركي؟ فإذا كان لروسيا 21 قاعدة عسكرية و 93 نقطة مراقبة ، فان لامريكيا 17 قاعدة و 15 نقطة مراقبة، وإذا كان لايران مراكز عسكرية (تتفاوت تقديراتها بقدر غير معقول بين التقارير المختلفة) فان لتركيا 12 قاعدة عسكرية و 114 نقطة مراقبة..
– لكن ثمة نقطة يجب الوقوف لها، فمع الاقرار بالمساس بالسيادة السورية من طرفي الصراع، فان السؤال المركزي هو اي الحلفاء الاكثر ضررا في الموقف من القضية الفلسطينية؟ وهنا تتبدى التحايلات المعرفية ، فالنظرة الموضوعية تشير الى ان حلفاء النظام اقل ضررا وانحيازا تجاه القضية الفلسطينية، فالموقف الروسي والايراني في التصويت في الامم المتحدة او في توجهاتهما الاعلامية او في تقديم الدعم السياسي او في محاولات اصلاح ذات البين بين الفلسطينيين او في الموقف من طوفان الاقصى متقدم على موقف حلفاء المعارضة، وهناك من سيقول ان حلفاء النظام يعملون لصالح دولهم..وهل كانت السياسة شيئا آخر؟ فالكل يعمل لصالحه، ولكن السؤال من هو الاقل ضررا لي.؟ وهل الولايات المتحدة وتركيا تعمل لغير صالحهما؟ فالكل سواء في البحث عن مصالحهم القومية.
الخلاصة:
إن غياب منظور استراتيجي عربي هو المسؤول عن تحويل الاقليم العربي من لاعب الى ملعب، لقد عرفت اوروبا حروبا داخلية تفوق في أهوالها عشرات اضعاف ما نعرفه الآن في العالم العربي، ثم اكتشفوا المعادل الاخلاقي لإدارة العلاقات الدولية، بالانتقال الى التنافس بينهم على من يقدم النموذج الافضل في إدارة العلاقات الدولية، فانتهوا الى نموذج الاتحاد الاوروبي..
ان ثقافة التحريض تختلف تماما عن ثقافة النقد، فالتحريض العقائدي والغرائزي يضيف للنارا وقودا، اما ثقافة النقد فهي محاولة لعقلنة الرؤية الاستراتيجية، وتحديد ما هو الخطر الاكبر الذي يواجه المنطقة العربية حاليا، هناك اخطار كثيرة، لكني اعتقد ان خطر المشروع الاستراتيجي الصهيوني هو قاعدة ومنطلق كل الأخطار، وما لم يتم مواجهة هذا الخطر ، سنبقى ملعبا لا لاعبين…وهنا يجب المقارنة بين منظورين : منظور الانظمة العربية تجاه المشروع الصهيوني، ومنظور المعارضات العربية تجاه هذا المشروع، واخشى ما أخشاه ان المنظورين- الرسمي والمعارضة – يتجهان للوقوف ضد المنظور المجتمعي الذي تجمع كل استطلاعات الرأي العام الغربية والعربية والاسرائيلية على رفضه وبنسبة لا تقل عن 85% للوجود الصهيوني باعتباره آخر مواقع الاستعمار الاستيطاني..وهنا اسال :ما هو مشروع المعارضة السورية تجاه اسرائيل؟ ولماذا يغيب عن أدبياتها؟.