المستقل – أعاد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الحديث عن القرارات الجريئة التي يتخذها المسؤولون في مراكز خدمتهم العامة للمجتمع، وأن هذه القرارات يشترط فيها أن تنسجم مع القانون وأن لا تعود على متخذها بمكاسب.
وقال جلالة الملك في خطاب وجهه للأردنيين في يوم بلوغه الستين من عمره المديد بإذن الله، “إن واجبنا هو أن نوفر الحماية والدعم لكل مسؤول يتخذ القرارات الجريئة ويبادر ويجتهد طالما أن قراراته تنسجم مع القانون ولا تعود عليه بمنافع شخصية”. ودفع مسؤولون جلسوا على كرسي الخدمة العامة ثمن اتخاذهم قرارات لا تنسجم مع القانون، وعادت بمنافع ومكاسب شخصية عليهم، وفصل القضاء بأمرهم بعدما اكتشفت أمرهم هيئة النزاهة ومكافحة الفساد وحققت في قضاياهم وتم تحويلها الى السلطة القضائية ليحصلوا على محاكمة عادلة وعلنية.
وثبت للهيئات القضائية التي نظرت في أمر هذه العينة من المسؤولين ووضعتهم بالسجن لسنوات عديدة مع الأشغال الشاقة المؤقتة، وألزمتهم بإعادة ما خسرته خزينة الدولة بسبب قراراتهم التي لا تتفق وأحكام القانون، كما تم تغريمهم مبالغ مالية جزائية ارتكابهم الأخطاء التي تنعكس سلبا على اقتصاد المملكة والاستثمار فيها.
وحل الأردن بسبب الجدية بمكافحة الفساد ومعاقبة المسؤولين عن قراراتهم الخاطئة بالمرتبة الخامسة عربيا والـ 58 عالميا من بين نحو 190 دولة هي الأقل فسادا، حسب مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية عن العام 2021.
وقالت الخبيرة القانونية الدكتورة نهلا المومني اليوم الاثنين، إن انسجام قرارات المسؤولين مع القانون يتطلب الإشارة الى ثلاثة مسارات أساسية، أولها، احترام الإدارة لمبدأ المشروعية وهو المبدأ الذي يقوم على إخضاع الإدارة العامة وما يصدر عنها من أعمال وتصرفات للنظام القانوني السائد في الدولة، ولا يترتب بطلان القرارات على أعمالها، ولا يمكن أن تكون قرارات المسؤولين منسجمة مع القانون دون أن تراعي القرارات الإدارية عناصر القرار الإداري كي يكون مشروعا مع مراعاة ركن الاختصاص والسبب والمحل والشكل والغاية.
وأضافت، ان من أهم ما يجعل قرار المسؤول منسجما مع القانون هو حسن استخدام السلطة الممنوحة له والصلاحية او الهامش التقديري وعدم استخدام هذه الصلاحية التقديرية لمنافع شخصية او تحقيق مآرب بعيدة عن المصلحة العامة، مبينة ان الادارة تتمتع بصلاحيات تقديرية واسعة، وجلّ المخالفات التي ترتكب يكون مصدرها إساءة استعمال السلطة الممنوحة لها والتي من المفترض ان تحكمها قواعد العدالة والإنصاف والقيم والمبادئ الدستورية الجوهرية.
وأوضحت المومني أن من أهم المعطيات التي تجعل قرارات المسؤولين منسجمة ودمع القانون هي مراعاة قيم الحكم الرشيد او الصالح، والمتمثلة في قيم الشفافية والنزاهة والمساءلة والمحاسبة.
وأشارت الى أعمال الإدارة يتوجب أن تكون واضحة، ويتم الإفصاح عما تتخذه من قرارات بصورة تلقائية ومسبقة، وبيان آليات عملها وأسباب اتخاذ تلك القرارات ونشرها بكل الوسائل المتاحة، وهو الأمر الذي اكد عليه جلالة الملك في كلمته حين أشار بالنص الحرفي الى ان “على الحكومات أن تعمل بشفافية وتوضح آليات عملها بمسؤولية تبدد الاشاعات الهدامة بالحقائق المقنعة”؛ فلا بد من التأكيد على أنه حيث وجدت المعلومة والإفصاح عنها قل الفساد وكانت أطر المحاسبة والمساءلة أكثر فعالية.
واكدت المومني، أن المسار الثالث يتمثل بالرقابة على أعمال الإدارة العامة وهي مسألة جوهرية من أجل أن تكون قرارات المسؤولين منسجمة مع القانون، وهذه الرقابة يجب أن تتخذ اشكالا عدة بالرقابة الداخلية بشرط أن تتمتع هذه الرقابة بالاستقلالية والنزاهة وعدم الميل لطرف على حساب آخر، وكذلك بالرقابة الخارجية من الجهات التي يحددها القانون، وكذلك رقابة السلطات على بعضها البعض التي يكرسها مبدأ الفصل بين السلطات ومن شأنها أن تحد من تغول الإدارة العامة او إساءة استعمال السلطة.
ولفتت المومني إلى أن هذه المنظومة الثلاثية من شأنها أن تشكل درعا ضد أية قرارات يتم اتخاذها خارج الأطر القانونية أو أية قرارات تتوسع في الصلاحية التقديرية الممنوحة للإدارة العامة وتشكل مدخلا لانتهاك حقوق الافراد.
وأضافت، ان من شأن هذه المنظومة والتقيد بها أن تضمن مبدأ المشروعية في أعمال الإدارة، ما يعني بالضرورة أن يكون الجميع حكاما ومحكومين، أفرادا ومسؤولين، تحت مظلة القانون، ويكون مبدأ سيادة القانون هو الذي يحكم المشهد العام في الدولة، وهنا يشعر الافراد بالأمان القانوني الذي يعد أحد عناصر الأمن بمفهومه الواسع ويضطلعون بمسؤولية حماية وتعزيز هذا المبدأ الدستوري الراسخ.
وتشير سجلات المجلس القضائي إلى أن الجرائم التي أدين بها مسؤولون حكوميون بالفساد بسبب قرارات خاطئة لا تنسجم وأحكام القانون المتمثلة باستغلال السلطة والتدخل باستغلال السلطة والتزوير الجنائي، وإصدار مصدقات كاذبة، والاختلاس، وكلها عادت بمكاسب ومنافع شخصية على من اتخذ القرارات.