المستقل – ذهب خبراء اقتصاديون إلى أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الصين، ستجعل بكين تتخذ من صناعات مهمة على رأسها السيارات الكهربائية وأسواق ناشئة واعدة في أمريكا الجنوبية ودول الآسيان وبلدان أفريقية، رهانا كبيرا خلال الفترة المقبلة، فضلا عن الذهاب إلى تنشيط أكبر لمبادرة “الحزام والطريق”.
وأشاروا في تصريحات، إلى أن الصين ستتبع أساليب متعددة في اختراق الأسواق الأمريكية بمنتجاتها بشكل غير مباشر عبر دول تجمعها بها اتفاقيات خاصة بالتبادل الحر، حيث ستقوم بتوطين مجموعة من الاستثمارات الاستراتيجية في تلك البلدان، وتصنع فيها منتجاتها وتصدرها إلى الولايات المتحدة بنسب تعريفات جمركية أقل بحسب ما هو مفروض على تلك الدول.
وكانت الصين ردت على رسوم ترامب تجاهها بسلسلة من التدابير المضادة بما في ذلك فرض رسوم إضافية بـ34% على جميع السلع الأمريكية، وقيود على تصدير بعض المعادن النادرة؛ ما أدى إلى تعميق الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
السيارات الكهربائية
وتؤكد الخبيرة الصينية والمختصة في الشؤون الآسيوية، سعاد ياي شين هوا، أن هناك فرصا مهمة توفرها سياسات ترامب الجمركية لاسيما الأخيرة للصين التي أصبح لدى شركاتها على أثر ذلك دافع أكبر وأقوى لزيادة الاستثمارات في البحث والتطوير ورفع المحتوى والقيمة المضافة لمنتجاتها وتسريع انتقالها نحو صناعات متقدمة وتكنولوجية عالية؛ ما يعزز التنافسية الشاملة للصناعات الصينية الحديثة.
وأوضحت ياي شين هوا في تصريح لـ”إرم نيوز”، أن جمارك ترامب تسهم في اتخاذ الصين لصناعات وسلع تحرز فيها تقدما كبيرا رهانا مهما، وأيضا الانتشار في أسواق لها مكانتها عالميا، وفي صدارة تلك الصناعات، مجال السيارات الكهربائية التي رفعت الشركات الصينية استثماراتها في البحث والتطوير والإنتاج في هذا القطاع، وحققت تقدما في مجال بطاريات الطاقة وتكنولوجيا القيادة الذكية؛ ما ساعدها على تحقيق نتائج متميزة في السوق المحلية مع توسيع حصتها في الأسواق الخارجية تدريجيا، بالإضافة إلى ذلك، يمكن لبكين استغلال هذه الفرصة للتوسع في أسواق دولية متعددة.
أسواق جديدة
وأشارت ياي شين هوا إلى أن فرض واشنطن التعريفات الأخيرة، قد يشجع الصين على عدم الاعتماد على السوق الأمريكية والعمل بنشاط على فتح أسواق جديدة، لاسيما الدول المتواجدة في البناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق” وأيضا الأسواق الناشئة.
وذكرت ياي شين هوا أن بعض البيانات أظهرت أن الصين قللت بشكل ملحوظ من اعتمادها على السوق الأمريكية في السنوات الأخيرة، مبرهنة على ذلك بخفض بكين نسبة صادراتها إلى الولايات المتحدة في عام 2024 إلى 14% من إجمالي صادراتها بعد أن كانت في 2017 حوالي 21%، بينما أصبحت بلدان في جنوب شرق آسيا “الآسيان” ودول أفريقية وفي أمريكا الجنوبية بمثابة محركات رئيسية لنمو الصادرات الصينية خلال السنوات الأخيرة.
وبرهنت ياي شين هوا على ذلك بارتفاع الصادرات الصينية إلى جنوب شرق آسيا في 2024 بنسبة أكثر من 10%، وهي نسبة تتفوق على معدل النمو العام للصادرات الصينية في نطاق العالم؛ ما يدل على قدرة بكين على تعميق التعامل مع الأسواق الناشئة من خلال بعض اتفاقيات التجارة الحرة الإقليمية
ولفتت ياي شين هوا إلى أنه يمكن لبكين الرهان على الحلفاء التقليديين لواشنطن الذين يرفضون جمارك ترامب الأخيرة لاسيما الاتحاد الأوروبي واليابان وكندا التي أعلنت انتهاء العلاقة التقليدية مع الولايات المتحدة، مشيرة إلى أنه يمكن للصين أن تستغل ذلك عبر اتفاقيات لسد الفراغ الذي خلفه الانسحاب التجاري الأمريكي المترتب على الرسوم الجديدة في هذه الدول.
تنويع الشركاء
فيما يقول الخبير الاقتصادي محمد جدري، إن العالم بات أمام صفحة جديدة في التجارة العالمية بهذه القرارات التي انطلقت أحادية الجانب من ترامب، وسط انتظار لما سيكون ما بعد ذلك خلال الفترة المقبلة.
وأضاف جدري في تصريح، أن الولايات المتحدة تريد أن ترجع إلى السياسة الحمائية الوطنية بعد أن كانت في عهد قريب تقوم بتصنيع سلع وخدمات في مختلف القارات ليكون سعرها في متناول الجميع دون تعريفات جمركية، لنعود اليوم أمام إجراءات تجارية ذات مواصفات متغيرة.
وبين جدري أن الصين سيكون لها ردود فعل بجانب ما خرج مؤخرا من تعريفات جمركية على الواردات الأمريكية إليها، من بين هذه الإجراءات التي ستعمل عليها بكين، تنويع شركائها وضم آخرين جدد وفتح أسواق في أوروبا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.
تحايل على الرسوم
وبحسب جدري فإن الصين لن تقف مكتوفة الأيدي وستعيد توطين مجموعة من الاستثمارات الاستراتيجية نحو دول أخرى تجمعها بها اتفاقيات خاصة بالتبادل الحر؛ ما يجعلها من ناحية أخرى تدخل بضائعها إلى الأسواق الأمريكية بنسب تعريفات جمركية أقل بحسب ما هو مفروض على تلك البلدان.
ودلل جدري على ذلك بالمملكة المغربية التي توجد بها استثمارات صينية بكل ما يتعلق بالسيارات الكهربائية والنسيج والملابس وقطاعات أخرى، وهي منتجات سيتم تصديرها إلى الولايات المتحدة على أنها سلع غير صينية ولا تخضع للرسوم التي وضعتها واشنطن على بضائع بكين، وأن تؤدي 10% بدلا من النسب الكبيرة التي تقارب الـ 40% المطبقة على الصين.