المستقل – قارنت صحيفة “بوليتيكو” بين الأزمة الاقتصادية في سبعينيات القرن الماضي التي كانت كارثةً على العديد من الرؤساء وما يقوم به الرئيس دونالد ترامب من فرض، قد يكون كارثيا، للتعريفات الجمركية على الحلفاء والأعداء في وقت واحد.
وتساءلت الصحيفة عما إذا كان الركود التضخمي هو (شذوذ كارثي يُظهر فيه الاقتصاد نموًا منخفضًا وتضخمًا مرتفعًا في آنٍ واحد) الذي أطاح برئاستين وهدد الثالثة سيفعل الأمر ذاته لرئاسة ترامب الثانية.
وبحسب الصحيفة، أطاح الركود التضخمي برئيسين أمريكيين، جيرالد فورد وجيمي كارتر، وكاد يُدمر رئيسًا آخر؛ رونالد ريغان؛ إذ أصبح “الضغط” على التضخم، وخفض أسعار الفائدة، وعكس مسار فقدان الوظائف في فترة تدهور صناعي، هاجسًا رئيسيًا للإدارات الثلاث، وكما اكتشف كل رئيس، بدا أن كل حل يُسفر عن عواقب غير مقصودة، ما زاد المشكلة تعقيدًا.
“ترامب في وضع أسوأ”
وأضافت الصحيفة أن ترامب قد يكون في وضعٍ أشد سوءًا؛ إذ إن ما جعل فورد وكارتر وريغان متشابهين إلى هذا الحد هو أن الركود التضخمي كان مشكلةً فُرضت عليهم، ويعود ذلك إلى حدٍ كبير إلى تطورات خارجية أو هيكلية لم يكن لديهم القدرة الكافية على السيطرة عليها.
لكن من ناحية أخرى، فإن أزمة الركود التضخمي الوشيكة التي يواجهها ترامب هي من صنع يديه؛ وفي حين كان الرأي العام قاسيًا بما يكفي على الرؤساء السابقين الذين فشلوا في حل المشكلة؛ سيُظهر الزمن مدى قسوة تقييم الناخبين لترامب لاحتمالية تسببه في هذه المشكلة.
ارتفاع البطالة
وتابعت الصحيفة أنه من خلال التعريفات الجمركية الصارمة والتخفيضات الحادة في القوى العاملة الحكومية، بالإضافة إلى تمويل الصحة والعلوم والخدمات الاجتماعية، تُهدد سياسات ترامب بزيادة تكاليف الإنتاج وأسعار المستهلك بشكل مباشر، ما يُغذي التضخم ويكاد يضمن أن يُبقي مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة مرتفعة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن حالة عدم اليقين الاقتصادي الناتجة تُثبّط الاستثمارات التجارية وتُعطّل سلاسل التوريد، ما قد يُعيق النمو الاقتصادي، ويُمهد الطريق لارتفاع معدلات البطالة.
ازدهار فانهيار
وأشارت الصحيفة إلى أن فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة الأمريكية اتسمت بفترة ازدهار اقتصادي ممتدة، تميزت بنمو قوي وانخفاض معدلات التضخم وأسعار الفائدة؛ إذ شهد الاقتصاد توسعًا غير مسبوق، مدفوعًا بارتفاع مستويات الإنفاق الاستهلاكي والابتكار التكنولوجي والاستثمار الحكومي في البنية التحتية.
ورغم هذا النمو، ظل التضخم مستقرًا نسبيًا طوال خمسينيات وأوائل ستينيات القرن الماضي، بمعدل سنوي يتراوح بين 1% و3%، بينما ظلت أسعار الفائدة منخفضة أيضًا، ما عزز انتشار ملكية المنازل ونمو الطبقة المتوسطة المزدهرة.
“لم يتعلم الدرس”
لكن عصر الاستقرار الاقتصادي شهد انهيارًا مفاجئًا في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، إذ أدى مزيج من الإنفاق الفيدرالي وصدمات العرض العالمي وقرارات السياسة الخاطئة إلى عقد من التضخم المرتفع وارتفاع أسعار الفائدة، ما أطاح برئيسين وهدد الثالث.
وعلى الرغم من أن كلًّا من هؤلاء الرؤساء، نيكسون، فورد، كارتر، ريغان، كافحوا لمعالجة آفة الركود التضخمي، حيث خسر فورد وكارتر مساعي إعادة انتخابهما، ويعود ذلك جزئيًا إلى عجزهما عن احتوائه، بيد أن الرئيس ترامب ماضٍ في سياساته ولم يتعلم الدرس.
آثار القرار
وتوقعت الصحيفة أن تؤدي سياسات ترامب الاقتصادية، ولا سيما تطبيقه التعسفي والعشوائي للرسوم الجمركية الشاملة التي ستؤثر حتى على أهم شركائنا التجاريين، مثل الصين وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي، إلى زيادة تكلفة السلع المستوردة، ما سيؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار المستهلك.
وفي الوقت نفسه، من شبه المؤكد أن الإجراءات الانتقامية من الدول المتضررة ستؤدي إلى كبح الصادرات الأمريكية، ما يؤثر سلبًا على التصنيع المحلي ويؤدي إلى فقدان الوظائف.
وكما قد تؤدي سياسات الهجرة الصارمة التي تنتهجها الإدارة إلى تفاقم نقص العمالة في قطاعات حيوية مثل الزراعة وتصنيع الأغذية والبناء، ما يزيد من الضغط على الأجور وتكاليف الإنتاج، وما قد يؤدي أيضًا إلى زيادة التضخم؛ وجميع هذه السياسات قد تُعطل سلاسل التوريد والإنتاج وتؤدي إلى نقص في المواد الأساسية.
جرح سياسي
وبينما يعتقد ترامب حقًا أن تسعينيات القرن التاسع عشر، التي اتسمت بالتسامح مع التعريفات الجمركية، كانت عصرًا ذهبيًا للاقتصاد الأمريكي؛ مع أن المؤرخين سيؤكدون عكس ذلك، فمهما كان الدافع، فقد يعود الركود التضخمي في وقت أقرب مما نعتقد.
وإذا كانت سبعينيات القرن الماضي مؤشرًا، فلن تكون مجرد محنة للشعب الأمريكي، بل ستكون أيضًا جرحًا سياسيًا ألحقه ترامب وحزبه بأنفسهم.