المستقل – بقلم : خالد حميد الزبون
منذ أن عاد دونالد ترامب إلى واجهة المشهد السياسي، سواء من خلال تصريحاته أو تحركاته الانتخابية أو نفوذه المتصاعد داخل الحزب الجمهوري، بات واضحاً أن السياسة الدولية تتهيأ لدخول مرحلة أكثر اضطراباً، حيث تتراجع المبادئ التقليدية للحوكمة العالمية لمصلحة مزيج من الشعبوية والهيمنة الفجة على النظام العالمي.
شعار “أمريكا أولاً” لم يعد مجرد أداة لجذب الناخب الأمريكي، بل تحول إلى عقيدة سياسية تطغى على العلاقات الدولية الأمريكية، وتُترجم من خلال الانسحاب من الاتفاقيات، الضغط على الحلفاء، تقويض المنظمات الدولية، وفرض الإرادة الأمريكية بالقوة السياسية والاقتصادية، دون اعتبار للمصالح المتبادلة أو التوازنات التاريخية التي بُنيت عليها العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية.
في منطقة الشرق الأوسط، يظهر تأثير هذا النهج بوضوح أكثر من أي مكان آخر. الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، وتجاهل آلاف الضحايا في غزة وسوريا، والصمت التام تجاه الانتهاكات المستمرة، كلها مؤشرات على أن واشنطن في ظل ترامب، تتبنى سياسة قائمة على المكاسب المباشرة والتحالفات المشروطة بالولاء الكامل، وليس بالمصالح المشتركة أو الاستقرار الإقليمي.
بالتوازي، تعززت العقوبات القصوى ضد إيران، وتصاعدت حدة التهديدات، مما أعاد أجواء التوتر إلى المنطقة، وزاد من احتمالات اندلاع حروب بالوكالة على أكثر من جبهة. العراق، لبنان، واليمن تحولت إلى منصات لتصفية الحسابات الإقليمية، بينما تغيب أي بوادر لحلول سياسية شاملة أو دعم حقيقي لمؤسسات الدولة.
في هذه البيئة، تبدو الشعوب العربية في موقف العاجز. الغضب الشعبي في تصاعد، والاحتجاجات تعبر عن يأس واسع من الأنظمة الحاكمة والأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة، لكن غياب التنظيم، وتفكك القوى السياسية، وانتشار الخطابات الطائفية والمناطقية، يحول دون ترجمة هذا الغضب إلى مشروع سياسي قادر على فرض واقع مختلف.
“عالم ترامب” هو عالم يعيد تعريف مفاهيم السيادة والشرعية. لم تعد الشرعية تستند إلى القانون الدولي أو الإرادة الشعبية، بل إلى ميزان القوة اللحظي، وإلى من يمتلك النفوذ الاقتصادي أو التأثير الإعلامي أو السيطرة على الأرض. في هذا العالم، يتم مكافأة القوي بصرف النظر عن وسائله، ويُعاقب الضعيف حتى لو كان على حق.
وفي ظل هذا الواقع، تتحول المنطقة العربية إلى مختبر دائم للأزمات. تتكرر فيه التجارب، وتُعاد فيه صيغ الصراع ذاتها، دون حلول جذرية أو رؤى بديلة. كل ذلك وسط صمت دولي، وتواطؤ ضمني من قوى كبرى وجدت في الفوضى فرصة لإعادة ترتيب مصالحها على حساب الشعوب.
أمام هذا المشهد المعقد، لا بد من بناء وعي سياسي جديد في المجتمعات العربية، يربط بين الغضب الشعبي والعمل المنظم، ويؤسس لقوى سياسية قادرة على كسر الجمود وفرض معادلات جديدة. المطلوب ليس فقط الاحتجاج، بل إنشاء شبكات تفكير وتخطيط ومبادرات فعلية، تترجم طموحات الشعوب إلى واقع، وتصنع توازناً حقيقياً في زمن الفوضى المدروسة.
خالد الحميد الزبون
رئيس القيادة التنفيدية لحزب تمكين / تحت التاسيس