المستقل – كتب : عمر عليمات
يتفق الكثيرون على أن اغتيال أمين عام حزب الله اللبناني نقطة فاصلة بين مرحلتين، فوجه الشرق الأوسط سيتبدل بشكل جذري، ليظهر بصورة مغايرة تماماً عما كان عليه قبل هذا التاريخ، وهذا الأمر لا يرتبط بحجم أهمية حسن نصرالله بقدر ما هو مرتبط بالأحداث السابقة واللاحقة، فحرب غزة ولبنان هما حجر الزاوية والمحرك الأساس لهذا التغيير.
خلال العقود الماضية عاش عالمنا العربي حصاراً حيوسياسياً بين مشروعين توسعيين، هما الإيراني والإسرائيلي، ورغم أنهما يختلفان في الآليات والأجندات إلا أنهما يتفقان على هدف واحد، وهو توسيع النفوذ لتحقيق مصالحهما على حساب الشعوب العربية وسيادة دول المنطقة.
المشروع الإيراني اعتمد بشكل مباشر على الأدوات لتوسيع نفوذه عبر المليشيات التابعة له، وتصدير الثورة والتحكم بمواطني الدول العربية من النافذة المذهبية، فيما إسرائيل تعمل بشكل صريح عبر جيشها واستخباراتها وعلاقاتها الدولية، وهذا ما نعيشه واقعاً من خلال توسع المستوطنات والسيطرة على كل شبر أرض تستطيع أن تصل إليه، والسير نحو أهدافها التوسعية دون أي تأخير ولكن بشكل متدرج، فيما تتحكم طهران بقرار عواصم عربية توجهه بما يخدم رؤيتها وتطلعاتها.
ما يهمنا هنا ليس الحديث عن المشروعين، بل غياب المشروع العربي، فالواقع المرير الذي تعيشه الدول العربية، هو أنها عالقة بين المطرقة الإسرائيلية والسندان الإيراني، فالأولى تتذرع دائماً بقضية الأمن وحماية مواطنيها، فيما الثانية تختبئ خلف خطاب المقاومة وتحرير فلسطين، فيما دولنا العربية فاقدة للبوصلة وغارقة في الانقسامات والخلافات البينية، وعلى أحسن تقدير علاقاتها ثنائية، مبنية على أسس مصلحية لا على الدفع تجاه مشروع عربي يقارع المشروعين الإسرائيلي والإيراني.
في ظل هذا الواقع، ومع المستجدات التي تُنبئ بتغيرات كبيرة قد تصل حتى الجغرافيا العربية، لا بُد من مسار عربي واضح ومستقل، تستطيع من خلاله الدول العربية وخاصة تلك المنخرطة بالمسألتين الإيرانية والإسرائيلية ترتيب بيتها الداخلي، وخلق رؤية سياسية تتعامل مع هذه التحديات من واقع فاعل وقائم على مشروع وليس موقع المنتظر لما ستسفر عنه المشاريع الأخرى، ومن ثم محاولة تفادي نتائجها.
الواقع مؤلم، ومحاولات بعض الدول تجنب رياح التغيير العاصفة عبر التفاهمات الثنائية مع طهران وتل أبيب لن يفضي إلى نتيجة إيجابية، فما يقود سياسة إيران وإسرائيل هو النفوذ المبني على أسس عقائدية توسعية، وهذا أمر مختلف تماماً عن لغة المصالح، فالمشروع العقائدي إن ذهب تجاه تعزيز مصالحه مع أي دولة أو جهة ما، لا يكون ذلك إلا ضمن خدمة مشروعه الأساسي، وهو التوسع والنفوذ.
والرهان على المجتمع الدولي أثبت في المجمل فشله، فالدول الكبرى لديها ايضاً مصالحها وأهدافها، وما يهمهما أولاً وأخيراً عدم تأثر هذه المصالح أو تقلص مناطق نفوذها، أما منطلقات الحق والعدالة وتقرير الشعوب لمصيرها، فهذه شعارات سقطت منذ سنوات طويلة، فالدول الكبرى لا تأبه بأي المشروعين بقدر ما هي تريد الاستفادة منهما، بما يعزز مصالحها وأهدافها.
بالمحصلة، ما يجري بالمنطقة واضح تماماً، فهي تعيش انعطافة تاريخية، فإما أن نكون جزءًا من صياغة المشهد المقبل، بما يضمن سيادة دولنا ومصالح شعوبنا، وإما أدوات يستخدمها الآخرون لصياغة هذا المشهد، فلا سبيل اليوم لدولنا لضمان مصالحها ومستقبلها إلا باستعادة زمام المبادرة في قضاياها المصيرية، والخروج بمشروع عربي متماسك لمواجهة المشروعين التوسعيين في المنطقة، ودون ذلك، لن نكون أكثر من وقود لمحركات تغيير وجه الشرق الأوسط.
“الدستور”