25.1 C
Amman
الأحد, يونيو 15, 2025
spot_img
الرئيسيةمقالاتصفارات الإنذار بعيون الأطفال

صفارات الإنذار بعيون الأطفال

المستقل – كتبت : حنين البطوش 

في زمن تتزايد فيه وتيرة الأزمات والطوارئ، بات صوت صفارات الإنذار جزءاً من المشهد اليومي في بعض المناطق، وبينما يدرك الكبار معاني هذه الأصوات وإجراءات السلامة المرتبطة بها بوعي وخبرة، يبقى الأطفال أكثر عرضة للهشاشة النفسية عند استقبال هذا النوع من المنبهات المفاجئة والمقلقة، وهنا تبرز مسؤولية الأهل في محورين أساسيين: أولاً، فهم المشاعر التي تعتري الطفل في مثل هذه اللحظات، وثانياً، تقديم شرح نفسي وتربوي مبسّط يساهم في تهدئة مخاوفه وبناء شعوره بالأمان.

صفارات الإنذار لا تمثل للطفل مجرد صوت عابر، بل تحمل في طياتها رسالة مليئة بالمشاعر المختلطة والخوف من المجهول، وهنا يبرز دور الأهل كخط الدفاع الأول، في ترجمة هذه الرسالة إلى كلمات وتصرفات تمنح الطفل الطمأنينة والثقة، وتؤكد له أن الكبار موجودون لحمايته والسيطرة على الموقف مهما كانت الظروف المحيطة.

عندما يسمع الأطفال صوت صفارات الإنذار، يتعاملون معه من خلال خيالهم الواسع وفهمهم المحدود للأحداث من حولهم، ففي غياب القدرة على تفسير الموقف بشكل منطقي، قد يرتبط الصوت في أذهانهم بمشاعر الخطر والدمار وحتى الموت، ما يثير في داخلهم شعوراً بفقدان السيطرة ويضاعف قلقهم تجاه المجهول، وغالباً ما يتأثر الأطفال في مثل هذه المواقف بردود فعل الكبار من حولهم أكثر من تأثرهم بالصوت ذاته، وإذا لم يتلقَّ الطفل التفسير والاحتواء المناسبين، فقد تتطور هذه المشاعر إلى مظاهر قلق مستمرة، مثل الكوابيس الليلية، الخوف المفرط من الأصوات العالية، أو اضطرابات سلوكية قد تظهر لاحقاً.

يعتمد فهم الأطفال لمعنى صفارات الإنذار بدرجة كبيرة على أعمارهم ومستوى نضجهم الإدراكي، فالأطفال الصغار دون سن الخامسة قد يتعاملون مع الصوت على أنه مجرد ضوضاء مزعجة أو حتى جزء من أجواء اللعب، دون أن يربطوه بأي تهديد حقيقي، أما الأطفال الأكبر سناً، في مرحلة المدرسة الابتدائية، فيبدؤون في استيعاب أن صفارات الإنذار ترتبط بوجود خطر، لكنهم غالباً لا يدركون طبيعة هذا الخطر بشكل دقيق، ما يدفعهم أحياناً لابتكار تفسيرات خيالية أو قصص مبالغ فيها في محاولة لفهم ما يجري ضمن عالمهم المحدود.

تلعب بيئة الطفل المحيطة دوراً مؤثراً أيضاً؛ إذ إن الأطفال الذين يعيشون في مناطق تتكرر فيها صفارات الإنذار قد يعتادون عليها بمرور الوقت، فيتراجع مستوى الخوف الفوري لديهم، لكنه قد يتحوّل لاحقاً إلى قلق داخلي مزمن يظهر في مواقف مختلفة.

وهنا يظهر دور الأهل الحاسم في طمأنة الأطفال وشرح الموقف بطريقة تناسب قدراتهم الذهنية، يبدأ هذا الدور من خلال تحكم الأهل بانفعالاتهم وضبط مشاعرهم، حيث يلتقط الطفل إشارات الأمان أو التوتر من ملامح والديه ونبرة أصواتهم قبل أي شرح لفظي، ومن المهم أن يركّز الأهل في حديثهم مع الطفل على الجانب الوقائي لصفارات الإنذار لا على الجانب المخيف منها، إذ ينبغي أن يفهم الطفل أن وجود الصفارة هو جزء من نظام الحماية الذي صُمم للحفاظ على سلامته، وأن هناك من يعتني بأمن الجميع ويعمل على حمايتهم عند الحاجة.

يمثل دور الأهل ضمانة أساسية في تفسير صفارات الإنذار وطمأنة الأطفال عند سماعها، وهو دور يتطلب حضوراً واعياً يتناسب مع عمر الطفل ومستوى إدراكه، يبدأ هذا الدور بالصدق المبسّط، حيث ينبغي شرح الموقف بعبارات واضحة وغير مرعبة، يُمكن تبسيط المعلومة للأطفال الصغار (من 3 إلى 6 سنوات) بالقول: “هذه الصفارة مثل جرس المدرسة، تخبرنا أن نذهب إلى مكان آمن لفترة قصيرة حتى يتأكد الكبار أن كل شيء على ما يرام.” 

أما للأطفال الأكبر سناً (من 7 إلى 12 سنة)، فيمكن توضيح أن الصفارة تنبهنا لاحتمال وجود خطر مثل طائرات أو صواريخ بعيدة، ولهذا ننتقل سريعاً إلى المكان الآمن حتى نكون في حماية، مع التأكيد أن هناك فرقاً مختصة تتابع كل التفاصيل وتعمل على الحفاظ على سلامة الجميع.

يلي ذلك تعزيز شعور الأمان من خلال التأكيد المستمر للأطفال أن الأهل موجودون دائماً لحمايتهم، وأنهم قادرون على ضمان سلامتهم في كل الأوقات، كما يلعب تدريب الطفل على إجراءات السلامة دوراً مهماً، حيث يمكن للأهل تحويل الأمر إلى نشاط تدريبي بسيط من خلال ممارسة “ألعاب السلامة” التي تحاكي الانتقال إلى الملجأ أو الغرفة الآمنة، مما يخفف من حدة الخوف ويمنح الطفل شعوراً بالسيطرة.

وإلى جانب الشرح والاحتواء النفسي، يُعد الدعم الجسدي والعاطفي في هذه اللحظات من أهم وسائل تعزيز الأمان الداخلي لدى الطفل؛ فمجرد لمسة يد، أو احتضان دافئ، أو كلمات هادئة ومشجعة، كفيلة بأن تبعث الطمأنينة في نفسه وسط أصوات الطوارئ المقلقة، هذا الاحتواء الجسدي والعاطفي يُشعر الطفل بأنه ليس وحده في مواجهة الموقف، وأن هناك من يحميه ويقف إلى جانبه، مما يقلل من حدة خوفه ويساعده على تجاوز التجربة بأقل قدر من التوتر والقلق.

كما ينبغي على الأهل الانتباه إلى مصادر المعلومات التي يتعرض لها الطفل خلال هذه الفترات، سواء من الأخبار أو الصور أو مقاطع الفيديو، فالمبالغة في متابعة التفاصيل قد تضخم المخاوف لديه وتعمق القلق، وفي مثل هذه الأزمات لا يبحث الطفل عن “الحقيقة الكاملة”، بل عن “حضن يشعر فيه بالأمان”، فالأمان لا يُبنى فقط بالجدران المغلقة أو الأماكن الآمنة، بل يتجسد في الحب، والحضور القريب، والكلمات الهادئة التي تخفف من وطأة المشهد أمامه.

بعد انتهاء حالة الطوارئ، من المهم العودة السريعة إلى الروتين اليومي الطبيعي، بما يساعد الطفل على استعادة الشعور بالاستقرار والتوازن النفسي بشكل تدريجي، مع تخصيص وقت للحديث مع الطفل بطريقة إيجابية تساعده على استيعاب ما حدث بهدوء وأمان، ويمكن البدء بتأكيد أن الجميع تعامل مع الموقف بهدوء وانضباط، مع الإشادة بتصرفات الطفل وامتثاله للتعليمات، مما يعزز ثقته بنفسه ويقلل من أثر القلق، كما ينبغي الاستماع إلى أسئلته ومخاوفه والإجابة عليها بصدق ووضوح، مع الحرص على تجنب الدخول في تفاصيل مخيفة قد تزيد من توتره أو تضخم الصورة في ذهنه الصغير.

في بعض الحالات، قد تستمر آثار الخوف والقلق لدى الطفل حتى بعد انتهاء حالة الطوارئ بفترة، مما يستدعي انتباه الأهل وطلب المساعدة المتخصصة، يُنصح بمراجعة مختص نفسي للأطفال إذا لاحظ الأهل استمرار الكوابيس أو اضطرابات النوم، أو تعلق الطفل الزائد بهم بشكل مفرط، أو ظهور سلوكيات جديدة مثل الانعزال الاجتماعي أو التصرف بعدوانية بشكل مفاجئ وغير معتاد، كذلك يُعد تكرار نوبات القلق أو الهلع دون سبب واضح مؤشراً على حاجة الطفل إلى تدخل مهني يساعده على تجاوز آثار التجربة بشكل آمن وصحي، ويحمي نموه النفسي على المدى البعيد.

وفي النهاية، تبقى صفارات الإنذار بالنسبة للطفل أكثر من مجرد صوت، بل مرآة لحالته النفسية التي تتشكل من بيئته ومن طريقة استجابة الأهل، وكلما كان حضور الأهل واعياً، ولغتهم مطمئنة، واحتضانهم حقيقياً، كلما أصبح الطفل أكثر قدرة على تجاوز هذه اللحظات بمرونة وثقة أكبر في مواجهة الحياة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

اقرأ ايضا