17.1 C
Amman
الأربعاء, مارس 12, 2025
spot_img
الرئيسيةمحلياتطلال ابو غزالة يكتب .. ضرورة الاستعداد للمستقبل

طلال ابو غزالة يكتب .. ضرورة الاستعداد للمستقبل

المستقل – د. طلال ابو غزالة

لقد سبق ونبهت، في أكثر من مقال، إلى ضرورة التخطيط لحماية الإنسان، أينما وجد، من الأخطار المتفاقمة التي تهدد حياتنا كشعوب ودول

منذ عقود نبهت لضرورة وضع حد للأضرار الكبيرة التي يتسبب بها النشاط الصناعي للمناخ، ما أدّى إلى إرباك التوازن البيئي وتعرّض كوكبنا لما لم نألفه من قبل من الفيضانات والعواصف وذوبان الثلوج القطبية. المؤسف أن الإجراءات الدولية لكبح الأخطار التي تهدّد المناخ ما تزال دون الحد الأدنى. ولكن لهذا الموضوع حديث لاحق آخر

ما أردت أن أتعرّض له اليوم هو الإجراءات الواجبة من أجل التحوط لمخاطر المستقبل المتفاقمة، والتي أخذت تداهمنا في شتى أنحاء المعمورة دون إنذار مسبق

معظم هذه المخاطر هي من صنع الإنسان ومنها، بالإضافة لما سببناه للمناخ، تلك الصراعات والحروب وما تتسبب به من دمار وخراب وتهجير وهدر باهظ للمال وللجهد البشري من غير طائل

ومع الأسف يقف النظام الدولي عاجزاً تماماً عن منع هذه الصراعات، أو عن حلّها، بالطرق السلمية كما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة

إذن، إزاء عجز الدول منفردة، أو مجتمعة من خلال الأنظمة الدولية التي تنتمي إليها عن منع المخاطر المشار إليها آنفاً، فالمطلوب التخطيط لمواجهة آثارها وأخطارها

شاء القدر أن تكون منطقتنا الأكثر عرضه، فهي لم تشهد الاستقرار لعقود متتالية وما تزال، وهي، وشعوبها من يدفع ثمن المؤامرات الدولية والصراعات الدخيلة والابتزاز والهيمنة وتنفيذ مخططات انتهازية على حساب أمن وسلام واستقرار هذه المنطقة ودولها وشعوبها

فوق ذلك داهمنا وباء كورونا، كما في بقية أرجاء العالم منذ أكثر من عامين، ولا مجال للتنبؤ بالزمن الذي علينا أن نتعايش خلاله مع هذا الوباء الذي شل حياة الإنسان ومعظم نشاطاته (وإن كنت توقعت خلال أربع سنوات قبل أن نعود لحياتنا المعتادة)

وحديثاً وقعت الحرب الأوكرانية وأحدثت على الفور إرباكاً فاق التوقعات ولم تقف آثارها وعواقبها رغم حداثتها عند أية حدود

في بلدنا، كما في بقية بلدان المنطقة، والعالم استبد القلق بالناس من ارتفاع الأسعار خاصة المواد الغذائية الأساسية، بل تجاوز الخوف مسألة الكلفة إلى ما هو أخطر؛ أي أن تتفاقم الأمور إلى الحد الذي قد نتعرّض، مثل غيرنا، إلى مواجهة نقص كبير في توفر الأغذية الأساسية كالحبوب وزيوت الطهي والأدوية. ذلك بالإضافة لتفاقم شح المكونات الإلكترونية الأساسية لصناعة السيارات ووسائل النقل والاتصال الأخرى، تلك المشكلة الماثلة حالياً بسبب وباء كورونا في معظم دول العالم الصناعية

لذلك فمن أول واجبات أي بلد أن يكون لديه مخزون استراتيجي من الغذاء والدواء ومشتقات الطاقة وأدوات التعلّم، أي المنتجات التكنولوجية بأنواعها

وللتذكير فقط فقد واجهنا في الأردن مشكلة النقص في الأجهزة الإلكترونية عندما فرضت جائحة كورونا توقف التعليم الوجاهي بكافة أشكاله والاستعانة عنه بالتعليم عن بعد، وينطبق ذلك على أعمال القطاع الخاص

يجب أن يخطط أي بلد، وبلدنا بالذات، لمخزون استراتيجي لا يقل عن عشر سنوات من المواد المشار إليها آنفاً الغذاء والدواء وأدوات التعليم التقنية والإلكترونية

هذا لا يعني تخزين نفس المواد طيلة تلك الفترة حتى لا تتعرّض للتلف أو تتجاوز صلاحيتها؛ بل بالإمكان تدوير المخزون وتحديثه عن طريق تعويض كل ما يستهلك للحفاظ على مستوى الرصيد

نحن في الأردن محظوظون بإمكانات زراعية توفر لنا حاجتنا، وما يفيض عن ذلك من معظم المنتجات الزراعية، كالخضراوات والفواكه بأشكالها وزيت الزيتون العالي الجودة وغيرها على مدى العام. قد يكون توفر مياه الريّ مشكلة ولكن علينا أن نشجع تنقية المياه الرمادية المنزلية لاستخدامها لري المزروعات خاصّة في الحدائق المنزلية. هذا الإجراء متبع في معظم دول العالم. كما يتوجب تحديث شبكات المياه لضبط الاعتداء. ولدينا ما نحتاج ويزيد عن الحاجة من الأسمدة

أما المواد التي نستوردها كالحبوب وغيرها فلنخطط لتخزين ما يكفي للمدّة المقرّرة. ومن فوائد التخزين المسبق أن أسعار ما نشتريه اليوم ستكون أقل بكثير مما سنحتاجه بعد سنوات

كما يجب تشجيع صناعات تعليب الخضار والفواكه ما يساعد على حفظ الفائض لسنوات لاحقة

أما بالنسبة للدواء فلدينا في الأردن صناعات دوائية متطوّرة يصدّر انتاجها لمعظم دول العالم. فلن يكون من الصعب تطوير الصناعة والتخطيط لتنويع منتجاتها ولضمان توفر حاجة البلد منها للفترة الاستراتيجية المقرّرة

صحيح أن الدواء يصنع محلياً وبكفاءة عالية معترف بجودتها عالمياً ولكن ذلك لا يغني عن استيراد مواد أولية تدخل في صناعة الأدوية، وهذا ما يجدر التحوّط له لإدامة الصناعة وقدرتها على الإنتاج لفترات مستقبلية طويلة

وما ينطبق على الدواء والمطاعيم والمعقمات ينطبق على الأجهزة والمعدات الطبية ولوازم دور العلاج والمستشفيات والطوارئ وسيارات الإسعاف والدفاع المدني والسلامة العامة وغيرها. يجب أن نطور كافة هذه الصناعات ليس فقط للاكتفاء الذاتي بل للتصدير أيضا

بقي موضوع التخطيط طويل الأجل للتعليم. صحيح أن التعليم ليس تلك السلعة القابلة للتخزين كغيرها. ولكن المقصود هنا وجود خطط طويلة الأجل لحماية النظام التعليمي بكل مستوياته من الطوارئ والمفاجآت مثل تلك التي واجهناها عندما حلّت بنا معضلة كورونا، وعندما اضطررنا لإغلاق المدارس والجامعات والمعاهد ودور الحضانة دون أن يتوفر أي بديل. ولم يكن الانتقال للتعليم عن بعد مسألة سهلة، أو قابلة للتطبيق لعدم توفر الأجهزة، وإن توفرت الأجهزة فلم يكن من السهل على الكثيرين استخدامها. ذلك بالإضافة لعدم توفر الكوادر التعليمية المدربة على إدارة التعليم عن بعد، وعدم توفر البيئة المنزلية المساعدة على ممارسة التعليم من المنزل، وعدم توفر الإنترنت في مساحات واسعة من الوطن

لا اعتقد أننا قطعنا مسافات مجدية على هذه الجبهة. هذا ما أقصده بالتخطيط الاستراتيجي طويل الأجل للتعليم: والذي يجب أن يشمل برامج مكثفة لتدريب الطالب وأهل الطالب والطاقم التعليمي، وإقامة بنية تحتية إلكترونية كاملة وكافية للانتقال السلس والمرن من التعليم الوجاهي إلى الإلكتروني بلا أية عوائق

ولأن الأجهزة الإلكترونية هي الأساس في صلب العملية فعلينا تشجيع وتنمية صناعة محلية قادرة على تلبية الحاجة الوطنية طويلة الأجل حتى لا يكون الاعتماد على الاستيراد من الخارج رهن الأزمات الطارئة، وحتى تكون تلك الصناعات عنصراً داعماً للاقتصاد الوطني من خلال خلق الوظائف والتصدير

ليس في كل ما ذكرت ما هو عصي على التطبيق إن توافرت الإرادة. الإمكانات متوافرة والنتائج مضمونة

وليس من قبيل المباهاة، بل لبيان الحقيقة، فقد تمكنت مجموعتنا من تجنب تلك الصعوبات الآنفة كوننا باشرنا منذ سنوات الاستعداد لمواجهة الطوارئ خاصة الانتقال للعمل عن بعد. لذلك كان انتقالنا للخطة ب عندما حل الوباء انتقالا سهلا وبلا إرباك. كما أننا استشعرنا الحاجة الملحة للأجهزة الإلكترونية فبادرنا على الفور للتصنيع في الصين بداية، ثم في مصر والأردن ولبينا حاجة السوق المحلي والعربي وحتى الدولي من كافة أنواع الأجهزة الإلكترونية والهواتف الذكية .

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

اقرأ ايضا