المستقل – كتبت : د . نهلا عبد القادر المومني
كانون الأول من عام 1948 شكل على الصعيد الحقوقي علامة فارقة؛ نظرا لما شهده من تقنين لحقوق الانسان وتحديدا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأسرة الدولية الأعضاء في الأمم المتحدة باعتباره أول توافق عالمي على المعايير الدنيا للحقوق والحريات، وفي حينها اعتبر هذا الحدث محاولة لوضع حد للانتهاكات التي شهدتها الإنسانية وخاصة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين ووفقا لديباجة ميثاق الأمم المتحدة جلبتا على البشرية مآسي يعجز عنها الوصف.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمنظومة متكاملة خضعت إلى اختبارات متتالية مؤخرا أدت الى طرح أسئلة ملحة حول جدواها على الصعيد القانوني والحقوقي والإنساني. لعل الاختبار الأبرز كان في خضم هذه الاختبارات هو مدى فاعلية وحقيقة عالمية حقوق الانسان التي تعد أحد أبرز المبادئ والخصائص التي قامت عليها هذه المنظومة.
في الخامس والعشرين من شهر حزيران عام 1993، اعتمد المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان إعلان وبرنامج عمل فيينا، والذي سطر في المادة الأولى منه قاعدة العالمية برسوخ أعمق؛ حيث أقر بأن عالمية الحقوق والحريات لا تقبل النقاش، وقد كان الهدف من هذا وضع حد لأي ذرائع أو حجج تساق من قبل الدول للتنصل من تطبيق حقوق الإنسان.
ما شهدناه من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان مؤخرا وضعت عالمية حقوق الإنسان على محك الجدل والنقاش على مستوى الشعوب والجماعات، وفي الوقت ذاته شكلت هزة كبيرة للضمير الإنساني ولفكرة التضامن الإنساني أيضا التي أصبحت موضعا لتجاذبات وحسابات لا تمت بصلة لفكرة وفلسفة حقوق الانسان.
إن اختبارات بهذا الحجم تستدعي مراجعة شاملة، تنطلق ابتداء؛ بالعودة إلى المربع الأول بالتذكير والإقرار بالقيم المشتركة التي يوما ما أدى انتهاكها إلى اهتزاز ضمير الإنسانية، فوحدها قولا وفعلا واحدا لتقنين حالة حقوق الإنسان، مرورا بإعادة النظر في آليات الرقابة والمساءلة والمحاسبة؛ فأجهزة الامم المتحدة ليست على سوية واحدة، وفي الوقت الذي تكون أجهزة رئيسة مثل الجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية واضحة في مواقفها الحقوقية، تعمل أجهزة أخرى بحكم تشكيلها وبنائها القانوني على تقويض هذه المواقف وإهدارها.
ويبقى أخيرا أن يعرف العالم أجمع أن انتهاك حقوق الإنسان في مكان ما في العالم هو تهديد لحقوق الإنسان في كل مكان، وأن نتائج هذه الانتهاكات ستظهر عاجلا أم آجلا.
“الغد”