32.1 C
Amman
الأحد, سبتمبر 28, 2025
spot_img
الرئيسيةمقالاتقانون حقوق الطفل مجددا

قانون حقوق الطفل مجددا

المستقل – د . نهلا عبد القادر المومني 

أثارت مناقشة مشروع قانون حقوق الطفل -والذي طال انتظاره- تحت قبة البرلمان حالة من الجدل أخذت بالتوسع خارج القبة لتكون حديث العديد من المجالس ومدار حوارات في الشارع الأردني.
التنوع والتعدد في الآراء وطرح الأفكار ومناقشتها تشريعيا يعد أمرا إيجابيا؛ إذ إنّ الهدف منه هو تجويد النص القانوني وإزالة التعارض إن وجد وإضافة مزيد من الحقوق لا الانتقاص منها. ولكن في خضم هذا النقاش وحتى تبقى الغاية منه واضحة الرؤى وتصب في خدمة المصلحة الفضلى للطفل -وهو المبدأ الذي أقره مجلس النواب ذاته عندما أصدر اتفاقية حقوق الطفل بموجب قانون واجب النفاذ- لا بد من الاتفاق على مجموعة من القضايا تشكل قواسم مشتركة لا يمكن الحياد عنها، أولها أنّ الدولة الأردنية صادقت على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وتمّ عرضها على مجلس الأمة الأردنيّ لتصدر بموجب قانون، ولتكون اتفاقية خارج حدود الجدل القائم حول الزامية الاتفاقيات الدولية، ولو انطوت الاتفاقية حينها على أية اشكاليات مع التشريعات الوطنية أو خالفت النظام العام في المجتمع لما وافق عليها مجلس النواب في حينه، وبعد هذا وذاك تمّ نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية لتمسي جزءًا من المنظومة القانونية الوطنية، ولاحقًا جاء قرار المحكمة الدستورية رقم1/2020م ليؤكد على أن «الاتفاقيات الدولية لها قوتها الملزمة لأطرافها، ويتوجب على الدول احترامها، ما دام أن هذه المعاهدات تم ابرامها والتصديق عليها واستوفت الإجراءات المقررة لنفاذها».

المصادقة على الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل تعني بالضرورة التزامات تقع على عاتق الدولة في مقدمتها اتخاذ الإجراءات التشريعية اللازمة لإعمال الحقوق الواردة فيها بما في ذلك مواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقية وإزالة التعارض فيما بينهما، ومعالجة القصور التشريعي أو أي ثغرات قائمة تحول دون تعزيز وحماية حقوق الطفل بصورتها الشمولية التي كرستها بنود الاتفاقية.
 

أما الأمر الآخر فإن الخلاف المطروح على بعض القضايا المتعلقة بحرية التعبير للأطفال أو حقهم في الحصول على المعلومات أو الحق في الخصوصية وغيرها من الحقوق هي من متطلبات الشخصية الإنسانية أيا كان عمرها أو فئتها، ذلك أنّ الأطفال يتوجب ان يتمتعوا بهذه الحقوق وفق سنهم ودرجة نضجهم ليتهيئوا لدخول عالم الكبار، وهو الأمر الذي أقرته
وكفلته التشريعات الأردنية ابتداء حيث اتاحت للطفل الاختيار في بعض القرارات المصيرية وكذلك أكدت على بناء شخصية الأطفال من النواحي كافة بما يضمن شخصية إنسانية تتمتع بالكرامة وتستشعر المسؤولية وقادرة على قيادة المستقبل.

 

إن المطلع على مشروع قانون حقوق الطفل لا يمكن إلا أن يجد بين أرجائه إعلاء لشأن الأسرة وقيمتها ومحوريتها في حياة الطفل وتأكيدا مستمرا على أن المحيط الأسري والرعاية الوالدية هي نقطة الارتكاز الأولى في حياة الطفل ولا يمكن ان ينتزع الطفل من هذا المحيط الا في حالات حصرية تتعلق بالعنف والاهمال وما شابه ذلك من أفعال تجعل حياة وصحة الطفل الجسدية والنفسية مهددة وفي خطر وهو الأمر الذي جاء به قانون العقوبات الأردني قبل سنوات عديدة سبقت مناقشة هذا القانون أو وجوده ابتداء حيث نص على عقوبات صارمة في حال تخلي الوالدين عن رعاية الطفل أو الاهمال أو التقصير في رعايته.
 

قبل فترة ليست بالبعيدة كنت قد نشرت مقالين في صحيفة الغد الأردنية حول مشروع قانون حقوق الطفل الأول بعنوان « قانون حقوق الطفل … مصلحة وطنية واستثمار في الطفولة» أما الثاني «اقرار مشروع قانون حقوق الطفل خطوة في الاتجاه الصحيح»، طرحت من خلالهما سؤالًا حول ما هية الخسارة التي يتكبدها الوطن كلّ يوم في ظل عدم إقرار قانون لحقوق الطفل؟ وكيف يمكن لغياب القانون أن يضيع فرصة الاستثمار الأمثل في الطفولة التي ستشكل مستقبل الغد؟ الحقيقة الأكيدة في هذا الاطار أنّ إقرار مشروع قانون حقوق الطفل واستكمال مراحله الدستورية هو مصلحة وطنية عليا، لا بل هو أحد مقومات الأمن المجتمعي لاتصاله بشريحة واسعة في المجتمع الأردنيّ، والتي ستمسي يوما ما في مواقع المسؤولية والقرار. إن إقرار مشروع هذا القانون يعني أن نعيد تشكيل صورة المستقبل، أن نضع لبنة لمجتمع واعد يقف على أرضية صحية وتعليمية واجتماعية وثقافية صلبة، مما يجعله استثمارا من أفضل وأقوى الاستثمارات التي سيدخلها الأردن تزامنا مع دخوله المئوية الثانية للدولة، ليشكل أداة تحمي وترعى الطفولة والنشء كما أمر بذلك الدستور الأردنيّ في المادة السادسة منه.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

اقرأ ايضا