المستقل – كتب : ابو نايف
تقف الأردن عند منعطف حاسم في مشهدها السياسي الراهن، وبالأخص في ظل الطرح الذي يتحدث عن الهوية الوطنية التاريخية الأردنية، إذ تركت أحداث السابع من أكتوبر أثرًا عميقًا في البلاد، مما أثار نقاشات متعمقة وتأملات واسعة حول مسارها المستقبلي. وفي ظل ازدواجية المشهد السياسي واضطراب المشهد الاجتماعي، تتقاطع في هذا الإطار أطياف مختلفة، تحمل كل منها طموحاتها ومخاوفها، مما يلقي الضوء على نسيج سياسي واجتماعي معقد.
إن فهم أهداف هذه الأطياف ودوافعها يشكل مفتاحًا ضروريًا لفهم المشهد العام، خاصةً في ظل تأثر هوية الأردني بمحيطها الإقليمي، وتحديدًا القضية الفلسطينية، التي ظلت محورًا حساسًا للسياسات الوطنية.
- بين الهوية الوطنية والروابط الإقليمية
تحاول السياسة الأردنية، منذ نشأتها، أن تتسم بالتوازن. ومع ذلك، يوصف هذا التوازن بالحرج في الكثير من الأحيان، خصوصًا بين تعزيز الهوية الوطنية ومحاولة الاحتفاظ بروابطها الإقليمية. إن هذا التوازن ليس مجرد خيار استراتيجي، بل أصبح جوهر الشخصية السياسية الأردنية.
ومع ذلك، فإن التحديات الاقتصادية التي تواجه الأردن تلقي بظلال ثقيلة على هذه المعادلة. فارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة معدلات البطالة أذكى مشاعر السخط الشعبي، مما أوجد بيئة خصبة للمناورات السياسية والمعارضة.
وفي هذا السياق، تضيف وسائل التواصل الاجتماعي والضغوط الخارجية طبقات إضافية من التعقيد، حيث تتصارع القوى المختلفة على السيطرة على الخطاب العام وتوجيه الرأي الشعبي. إن التنقل بين هذه الشبكة المعقدة من المصالح يتطلب حذرًا ودقة، فضلًا عن تجاوز الروايات المبسطة التي تُروَّج أحيانًا بين جموع المحتجين أو في ثنايا شعارات المتظاهرين. كما يتطلب محاولة الانخراط بعمق مع التعددية التي تشكل المشهد السياسي الأردني، بعيدًا عن السطحية أو السعي وراء المكاسب الشعبية والسياسية فقط.
- الإخوان المسلمون وتحولات السياسة
تمثل جماعة الإخوان المسلمين، بوجهها السياسي المتمثل في حزب جبهة العمل الإسلامي، أحد اللاعبين البارزين في السياسة الأردنية. لكن حظوظ الجماعة شهدت تحولات كبيرة في السنوات الأخيرة، حيث استفادت سابقًا من السخط الشعبي تجاه الأوضاع الاقتصادية وركوب موجات الشارع بخطاب شعبوي يروّج لمشاريع غير واقعية. إلا أن الإصلاحات السياسية الأخيرة، التي ينظر إليها البعض على أنها وسيلة لتوطيد السلطة، غيّرت قواعد اللعبة، مما أوجد فرصًا جديدة للجماعة لاستغلالها. ومع ذلك، لا يمكننا أن ننسى أن منظري الجماعة وقادتها كانوا جزءًا مهمًا ممن صاغوا القواعد التفصيلية للمشهد السياسي القادم.
ومع أن تركيز الإخوان التقليدي على العدالة الاجتماعية والقيم الإسلامية لا يزال يجد صداه لدى شرائح من المجتمع، خصوصًا الفئات المتأثرة بالمصاعب الاقتصادية، فإن الجماعة تواجه انقسامات داخلية وتحديات تتعلق بضرورة إعادة صياغة خطابها بما يتماشى مع مجتمع متغير وعاطفي أحيانًا. وقد وجدت أحداث غزة طوق نجاة شعبيًا كان لا مناص من التمسك به كبديل ناجح وحصان رابح، لكن ذلك قد جاء على حساب صياغة برنامج سياسي منطقي أو يتصف بأدنى درجات الواقعية. كما يشكل صعود جيل شاب أقل ارتباطًا بالولاءات التقليدية فرصة وتحديًا في آنٍ معًا.
- الهوية الوطنية في قلب التحديات
في قلب الخطاب السياسي الأردني، تبرز قضية الهوية الوطنية التاريخية كواحدة من أعقد القضايا وأكثرها إلحاحًا. في محيط ملتهب تتمسك كل أقطاره بهويتها الوطنية التاريخية، فقد أعادت أحداث السابع من أكتوبر إحياء المخاوف من التآكل المحتمل لهذه الهوية، لا سيما في سياق العلاقة مع إسرائيل. ولا يمكننا أن نغفل العلاقة بين مكونات المجتمع الواحد.
وفي حين أن الحفاظ على سيادة الأردن وشخصيته المتميزة يشكل أولوية وطنية، فإن هذا الشعور بالهوية الوطنية التاريخية له جذور تاريخية عميقة تعود إلى أوائل القرن العشرين، عندما ظهرت القومية الأردنية كقوة موحدة وسط سكان متنوعين عانوا من الإقصاء أو التهجير.
شكلت القضية الفلسطينية طبقة إضافية من التعقيد في المشهد الأردني، حيث إن وجود عدد كبير من السكان الفلسطينيين في الأردن ترك أثرًا عميقًا على النسيج الاجتماعي والسياسي. ظل العديد من الأردنيين من أصل فلسطيني مرتبطين بشدة بالقضية الفلسطينية. ومع ذلك، برز تيار سياسي، لا يمكن إغفاله، يسوّق نفسه باعتباره الأكثر كفاءة والأشد ولاءً، ويدّعي أنه الخيار الأنسب لقيادة دفة الوطن.
تفرع من هذا التيار من طرحوا حلولًا للقضية الفلسطينية، كتبت بروح صهيونية، تقوم على وحدات اندماجية أو كونفدرالية.
إن هذا الوضع يثير جدلًا حول الهوية الوطنية التاريخية، في ظل مخاوف من التغيير الديموغرافي واحتمالية أن تصبح الأردن “وطنًا بديلًا”. تأتي هذه المخاوف من وجود تيار نخبوي وشعبي يحوّل الهوية النضالية إلى هوية متطلبة، لا تتحدث إلا بالمكاسب السياسية أو الفوائد المالية.
في المقابل نجد أن الطريق يجب تبدأ بالاتجاه نحو خطاب وطني متماسك لمواجهة التحديات في جانب ، والاطماع في جانب اخر. خطاب وطني متماسك وقوي وصريح ، يعالج المخاوف العامة ويعزز الإحساس المشترك بالهدف. يجب أن يكون هذا الخطاب قادرًا على التعبير عن المصالح الوطنية الأردنية بوضوح، مع تأطير واضح لمفهوم التعددية والتنوع الذي يروج بأنه يميز المجتمع الأردني.
ابو نايف