المستقل – كتب : عوني الداوود
معروف عن شخصية الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب التعامل مع جميع القضايا، بما فيها السياسية والعسكرية وغيرهما، من منظور اقتصادي. فهو أولاً وآخراً رجل أعمال ملياردير يؤمن بالصفقات ويحسب كل القرارات وفقًا لـ«الجدوى الاقتصادية»، ثم تأتي بقية الاعتبارات لاحقًا. لذلك، فإن ما يجري على الأرض منذ إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية بتاريخ 5 تشرين الثاني 2024 وحتى اليوم يُعدّ ترجمة عملية لشعارين رفعهما:
أ)- أمريكا أولاً.
ب)- إنهاء الحروب قبل 20 كانون الثاني المقبل -موعد تسلّمه الرئاسة رسميًا-.
ولكن لماذا يريد دونالد ترامب وقف الحروب؟
من المنظور الاقتصادي، ووفقًا للأرقام، فإن كلفة الحروب حتى يومنا هذا يمكن تلخيصها على النحو التالي:
*أولاً- كلفة الحرب على غزة:
1. 100 مليار دولار خسائر الاقتصاد الإسرائيلي -التقديرية الأولية- جرّاء العدوان على غزة.
2. سنّ الكونغرس أكثر من تشريع لمنح 12.6 مليار دولار من الاعتمادات العادية والتكميلية المباشرة من مخصصات وزارتي الخارجية والدفاع لإسرائيل للسنة المالية 2024 والسنة المالية 2025.
3. قبل ذلك، أُقرّت حزمة المساعدات الطارئة التكميلية التي تتضمن مساعدات لإسرائيل بقيمة 14.3 مليار دولار.
4. إضافة إلى 3.8 مليارات مساعدات سنوية عسكرية اتُّفق عليها في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وتستمر حتى العام 2028.
5. (33 مليار دولار) خسائر مباشرة للاقتصاد في قطاع غزة والضفة الغربية.
6. (80 مليار دولار) تكلفة إعادة إعمار غزة -وفقًا لأحدث التقديرات التي ذكرتها وكالة بلومبرغ-.
*ثانيًا- تكاليف الحرب «الروسية الأوكرانية»:
على مدى 3 أعوام -وبحسب مصادر البنك الدولي والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا- فإن تكاليف هذه الحرب على النحو التالي:
1. 500 مليار دولار خسائر اقتصادية وتكلفة عسكرية للحرب (3 أضعاف حجم الاقتصاد الأوكراني).
2. منذ بداية الحرب، قدّمت الدول الغربية مساعدات عسكرية واقتصادية لأوكرانيا قيمتها 380 مليار دولار.
3. منها 175 مليار دولار مساعدات أمريكية.
4. تريليون دولار تحتاجها حكومة أوكرانيا لإعادة إعمار ما دمّرته الحرب.
*ثالثًا- كلفة الحرب على لبنان:
بحسب وزير الاقتصاد اللبناني، فإن خسائر الحرب على لبنان تُقدّر بنحو (15 مليار دولار).
*رابعًا- كلفة الحرب في سوريا:
1. كلفة الحرب على الاقتصاد السوري -بحسب تقديرات البنك الدولي 2023- تزيد على (600 مليار دولار).
2. بينما تُقدّر كلفة إعادة الإعمار بنحو (900 مليار دولار).
-الخلاصة:
1. من الواضح أنّ فترة الرئيس الأمريكي جو بايدن ركّزت على «استثمارات الحرب»، فكانت هي الطاغية على المشهد العالمي والإقليمي (الشرق الأوسط). وتم إنفاق مئات المليارات من الدولارات، وكان للولايات المتحدة النصيب الأكبر فيها. وقد زاد تصنيع الأسلحة من قبل الشركات في العالم خلال السنوات القليلة الماضية، وبلغ حجم إنتاج الأسلحة من قبل نحو 100 شركة في العالم قرابة 632 مليار دولار، بزيادة 4.2 % عام 2023. وهذه الزيادة -وفقًا لتقارير عالمية- بسبب الحربين (روسيا وأوكرانيا وغزة)، إضافة إلى التوترات في شرق آسيا. وقد كان المستفيد الأكبر شركات الأسلحة الأمريكية التي زادت مبيعاتها بنحو 2.5 %، في حين زادت تجارة ومبيعات الأسلحة لدى دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 0.2 % فقط.
2. مرحلة الرئيس دونالد ترامب ستكون مرحلة «الاستثمار في إعادة الإعمار» من ناحية، والاستثمار في صفقات المشاريع الكبرى من ناحية أخرى. وهناك اليوم أربعة مشاريع «عابرة للقارات» بمئات المليارات تتنافس في منطقتنا، وفي مقدمتها:
A)- مشروع «الممر الاقتصادي» من الهند إلى الشرق الأوسط وصولاً إلى أوروبا، والذي أعلنه الرئيس بايدن خلال قمة مجموعة العشرين في الهند 2023.
B)- مشروع «طريق تنمية العراق»، وهو مشروع عراقي لربط سككي وبري بين تركيا وأوروبا شمالًا والخليج العربي جنوبًا لنقل البضائع بين الخليج وأوروبا، أُعلن عنه أيضًا عام 2023 بكلفة تصل إلى 17 مليار دولار.
C)- مشروع «البوابة العالمية»، الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي وخصّص له نحو 300 مليار يورو للإنفاق على استثمارات البنية التحتية في الخارج بين أعوام (2021-2027) ليكون منافسًا لمبادرة الحزام والطريق الصينية والدفاع عن المصالح الأوروبية.
D)- مشروع مبادرة «الحزام والطريق»، الذي بدأ في العام 2013 باستثمارات تفوق تريليون دولار في ما يقرب من 4000 مشروع.
**باختصار:
إذا كانت مرحلة بايدن تركّز على الاستثمار في الحروب والدمار، فإن مرحلة رجل الأعمال الملياردير ترامب ستركّز على «الاستثمار في المشاريع الكبرى العابرة للقارات ومشاريع إعادة الإعمار». ولذلك، سيعمل على إنهاء الحروب التي -حقّقت أهدافها المرحلية- ولم تعد ذات جدوى اقتصادية أمام الجدوى الأكبر القادمة، والتي سيحققها من خلال مزيد من صفقات: (السلام الاقتصادي + المشاريع الكبرى العابرة للقارات + مزيد من المواجهة في حربه الأهم، وهي مواجهة الصين).
الملفت أن هذه المشاريع الكبرى تمرّ من خلال منطقتنا «الشرق الأوسط»، لموقعها الجيوسياسي الذي يربط بين قارات ثلاث. ولا يمكن لهذه المشاريع أن تبدأ دون استقرار حقيقي ينهي الحروب على مبدأ إعادة الحقوق المغتصبة لأهلها وصولاً إلى سلام حقيقي، وليس مزيدًا من الاحتلال وفرض الأمر الواقع !
“الدستور”