المستقل – كتب : د . عدلي قندح
عندما يبدأ الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) في تخفيض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس (0.5%) بعد سلسلة من رفع الفائدة لمحاربة التضخم، تكون لهذه الخطوة آثار كبيرة على العديد من الجوانب الاقتصادية والنقدية. هذا التخفيض يؤدي إلى تقليل تكلفة الاقتراض بين البنوك، وهو إشارة إلى أن البنك المركزي يسعى إلى تحفيز الاقتصاد من خلال تسهيل الاقتراض. كما أن تخفيض الفائدة يزيد من المعروض النقدي، حيث تصبح تكلفة الحصول على الأموال أقل، مما يشجع البنوك على تقديم المزيد من القروض والتمويلات.
فيما يخص المقترضين والمودعين، فإن المقترضين بأسعار فائدة متغيرة يستفيدون بشكل فوري تقريباً، إذ تنخفض مدفوعاتهم الشهرية للقروض مثل الرهون العقارية والقروض الشخصية. هذا يعني أن تكاليف الاقتراض تنخفض، مما يتيح لهم تخصيص المزيد من أموالهم للإنفاق أو الاستثمار في مجالات أخرى. أما المقترضون بأسعار فائدة ثابتة، فلا يشعرون بأي تغيير في التكاليف، حيث إن سعر الفائدة على قروضهم محدد ولا يتأثر بالسياسات النقدية اللاحقة. ومع ذلك، قد يستفيدون من تخفيض الفائدة عند إعادة تمويل قروضهم أو عند الحصول على قروض جديدة. أما المودعون، فقد يستغرقون بعض الوقت لرؤية التأثير الكامل لتخفيض الفائدة، حيث قد تكون بعض المنتجات المالية مثل شهادات الإيداع أو الحسابات الادخارية ثابتة بأسعار فائدة أعلى لفترات محددة.
بالنسبة لتأثير تخفيض الفائدة على سندات الخزينة والديون العامة، فإن أسعار سندات الخزينة القديمة التي تحمل فوائد أعلى ترتفع عند انخفاض أسعار الفائدة. ومع ذلك، فإن السندات الجديدة ستكون بعوائد أقل، مما يقلل جاذبيتها للمستثمرين. وعلى مستوى الديون الحكومية، يُمكن أن يخفف تخفيض أسعار الفائدة من تكلفة تمويل الديون الحكومية، حيث تتمكن الحكومات من إصدار ديون جديدة بفوائد أقل، مما يقلل الضغط المالي عليها.
أما بالنسبة لتأثير التخفيض على الأسواق المالية، فإن انخفاض الفائدة غالباً ما يدعم أسواق الأسهم، حيث تصبح تكلفة الاقتراض للشركات أقل، مما يعزز استثماراتها وأرباحها المستقبلية. تصبح الأسهم أكثر جاذبية للمستثمرين الباحثين عن عوائد أعلى مقارنة بالسندات. وفي الوقت نفسه، ترتفع أسعار السندات الحالية، لكن العوائد على السندات الجديدة تنخفض، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على السندات القديمة ذات العوائد المرتفعة.
على صعيد أسواق النفط والغاز والمعادن، فإن تخفيض أسعار الفائدة يمكن أن يزيد من الطلب على النفط والغاز نتيجة تحفيز النشاط الاقتصادي. أما الذهب، فعادة ما يرتفع سعره مع انخفاض الفائدة، إذ يُعتبر الذهب ملاذًا آمناً في ظل تراجع العوائد على الأصول الأخرى مثل السندات.
تخفيض الفائدة يُسهم أيضاً في تحفيز النشاط الاقتصادي وزيادة معدلات النمو. عندما تصبح تكاليف الاقتراض أقل، يزيد الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري، مما يُعزز النمو الاقتصادي. كما يؤدي هذا التحفيز إلى زيادة الطلب على اليد العاملة، مما يساهم في خفض معدلات البطالة. مع ذلك، فإن هذه الآثار الإيجابية لا تظهر بشكل فوري، حيث يتطلب الأمر بعض الوقت حتى يتحقق الأثر الكامل لتخفيض الفائدة.
فيما يتعلق بالطلب على الائتمان وأسواق العقار، من المتوقع أن يزداد الطلب على القروض نتيجة لانخفاض تكاليف الاقتراض. هذا سيؤدي إلى زيادة الاستثمارات الشخصية والتجارية. كما ستشهد أسواق العقار زيادة في الطلب على العقارات، حيث ستنخفض تكاليف التمويل العقاري، مما يسهل على الأفراد شراء المنازل أو الاستثمار في العقارات.
العالم يشهد حالياً دورة مختلفة في اتجاهات السياسة النقدية، حيث بدأت دول مثل بريطانيا وسويسرا والصين تخفيض أسعار الفائدة منذ أشهر، وقد سبقت الفيدرالي الأميركي بهذا الخطوة. هذا التحول يعكس رغبة الاقتصادات الكبرى في مواجهة تباطؤ النمو الاقتصادي وتخفيف الأعباء المالية على الشركات والأفراد بعد فترة طويلة من رفع الفائدة. هذا التحول في السياسات النقدية يشير إلى القلق المتزايد من التضخم المنخفض أو حتى الانكماش، مما يدفع البنوك المركزية إلى تبني سياسات أكثر توسعية لتجنب ركود اقتصادي طويل الأمد.
في الأردن، يتعامل البنك المركزي الأردني مع السياسة النقدية بناءً على تطورات الاقتصاد المحلي والعالمي، وبما يتناسب مع تحقيق استقرار الأسعار ودعم النمو الاقتصادي. فيما يتعلق بتخفيض أسعار الفائدة، فقد قرر البنك المركزي خفض أسعار الفائدة الأساسية بمقدار 50 نقطة أساس (0.5%) اعتباراً من صباح اليوم الأحد، بهدف تشجيع النمو الاقتصادي المحلي وتخفيف الأعباء المالية على الأفراد والشركات. وقد ساهم في اتخاذ هذا القرار بقاء معدلات التضخم تحت السيطرة، حيث بلغت 1.7% خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، مما يعني أنها لا تشكل تهديداً للاقتصاد. وبما أن الدينار الأردني مرتبط بالدولار الأمريكي، يأخذ البنك المركزي في الحسبان مسألة تحقيق التوازن بين تخفيض الفائدة والحفاظ على استقرار سعر الصرف. ونظراً لتباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، فإن تخفيض أسعار الفائدة يعد ضرورة لدعم النشاط الاقتصادي وتعزيز الاستثمار. كما أن هذا التخفيض يقلل من تكلفة الاقتراض، مما يشجع الشركات والأفراد على الحصول على تمويلات جديدة سواءً للاستثمار أو للاستهلاك.
في السنوات الماضية، خفض البنك المركزي الأردني أسعار الفائدة عدة مرات استجابة لتغيرات السياسة النقدية العالمية، خصوصاً في ظل جائحة كورونا، وذلك لدعم الاقتصاد المحلي وتخفيف الأعباء المالية. ومن المتوقع أن يستمر البنك المركزي الأردني في نهج تخفيض أسعار الفائدة إذا واصلت البنوك المركزية العالمية، وخاصة الاحتياطي الفيدرالي، خفض الفائدة، وبما يتناسب مع احتياجات الاقتصاد المحلي.
“الدستور”