المستقل – كتب : المستشار الدكتور محمد عبدالستار جرادات
تميل الإقتصادات ذات الأنظمة المالية المتطورة إلى النمو بشكل أسرع، فبحسب البنك الدولي؛ التنمية المالية ليست مجرد نتيجة للنمو الإقتصادي، وإنما تساهم بشكل كبير وجزء من هذا النمو. حيث أنها تقلل الفقر وعدم المساواة من خلال توسيع الوصول إلى التمويل للفئات الفقيرة والضعيفة، وتسهل إدارة المخاطر عن طريق الحد من تعرضهم للصدمات، وتزيد من الاستثمار والإنتاجية التي تؤدي بالتالي إلى زيادة توليد الدخل. ونظرا للأهمية الإجتماعية والإقتصادية للتمويل، يتبنى صندوق النقد الدولي مؤشر التنمية المالية لـ 183 دولة منذ عام 1980، وعلى مقياس من 0 إلى +1.0 ، يصنف هذا المؤشر التنمية المالية للبلدان بناء على مدى تطور مؤسساتها المالية (البنوك والتأمين) والأسواق المالية (سوق الأوراق المالية) من بين ثلاث ركائز فرعية؛ العمق، والوصول، والكفاءة.
وكما ذكرنا في مقالاتنا السابقة، فإن جلالة الملك عبدالله الثاني أطلق رؤية التحديث الاقتصادي في يونيو 2022، بحيث سيتم تنفيذ هذه الرؤية على ثلاث مراحل وعلى مدى 10 سنوات، لتغطي ثمانية محركات اقتصادية وطنية 35 قطاعا وأكثر من 360 مبادرة. تعد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات / الاقتصاد الرقمي، والصناعات الإبداعية، والرعاية الصحية، وتجارة التجزئة، والتجارة، والخدمات المالية والأسواق؛ أحد أهم محركات النمو لتنفيذ هذه الرؤية.
في عام 1980، كانت درجة مؤشر التنمية المالية العامة للأردن تساوي 0.46. صنفت هذه النتيجة الأردن في المرتبة السادسة من بين 183 اقتصادا. وبدرجة 0.58، تصدرت سويسرا العالم آنذاك. بمرور الوقت، تراجعت درجة الأردن من ذروتها في عام 1990 (0.53) إلى 0.35 في عام 2020. وصنفت نتيجة عام 2020 (0.35) الأردن في المرتبة 68 من أصل 183 اقتصادا. ففي عام 1980 ، تصدرت الأردن الاقتصادات العربية في مجموع نقاط التنمية المالية، أما في عام 2020، تغيرت الصورة بشكل كبير، فأصبح ترتيب الأردن أعلى من ترتيب لبنان ومصر وتونس والجزائر فقط.
خلال الفترة 1980 – 2020، ارتفعت درجة مؤشر المؤسسات المالية الأردنية من 0.35 في عام 1980 إلى 0.45 في عام 2020. من ناحية أخرى، انخفض مؤشر الأسواق المالية في الأردن من ذروته في عام 1990 (0.62) إلى أدنى قيمة له في عام 2020 (0.24). لقد تراجعت نتائج الركائز الفرعية الثلاث (الوصول والعمق والكفاءة) للأسواق المالية بمرور الوقت، ويعد هذا التراجع مهم بشكل خاص في العمق والكفاءة.
وبحسب منتدى الإستراتيجيات الأردني، فإن أحد المكونات الرئيسية لعمق السوق هو حجم التداول (بالدينار) في الأسهم مقسوما على حجم الاقتصاد الوطني (الناتج المحلي الإجمالي). ومن الواضح أن سوق رأس المال الأردني لديه حجم تداول “منخفض” إلى نسبة الناتج المحلي الإجمالي. وشهدت الأعوام 2005-2008 فقط حجم تداول “مرتفع” مقارنة بباقي الأعوام. من جهة أخرى، فإن المكون الوحيد لكفاءة السوق هو معدل دوران سوق الأسهم (حجم التداول في الأسهم مقسوما على القيمة السوقية لسعرها)، ومن الواضح أن سوق رأس المال الأردني لديه حجم تداول “منخفض” إلى نسبة الناتج المحلي الإجمالي. وكذلك، شهدت الأعوام 2005-2008 فقط حجم تداول “مرتفع” مقارنة بباقي الأعوام.
مع استمرار عجز الميزانية، والدين العام المرتفع، من شبه المستحيل إنشاء سوق الأوراق المالية الحكومية (GSM) في قطاعها “الثانوي”. إذ أن الأوراق المالية الحكومية الصادرة (أذون الخزانة وسندات الخزانة) يتم بيعها بشكل كبير إلى البنوك المرخصة في الأردن وصندوق استثمار الضمان الاجتماعي (SSIF). على سبيل المثال وفي عام 2021، شكلت أذون وسندات الخزانة حوالي 57.0٪ من إجمالي أصول صندوق الضمان الاجتماعي (12.3 مليار دينار أردني).
شجع منتدى الإستراتيجيات على تجزئة الأسهم العكسية Reverse Stock Split (أن الصفقة التي تتألف من أسهم كاملة قد تتألف جراء العملية إلى أجزاء من الأسهم دون أن تتغير القيمة الإجمالية للصفقة) كأحد التوصيات قصيرة المدى، وإدخال صناع السوق (Market Makers) كأحد التوصيات متوسطة المدى، وإنشاء سوق الأوراق المالية الحكومية (GSM) ليس فقط في جانبه الأساسي ولكن أيضا في جانبه الثانوي كأحد التوصيات طويلة المدى. أيضا، إنشاء منصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة قد يساهم بالحلول على المدى الطويل.
لا بد من التأكيد على أنه لا ينبغي لأحد أن يقلل من الأهمية الاقتصادية لبورصة عمان. في الواقع، يفتخر السوق بإدراج بعض أكبر الشركات في البلاد. كالبنك العربي، والبنك الأهلي الأردني، وبنك الإسكان للتجارة والتمويل، ومصفاة البترول الأردنية، ومناجم الفوسفات الأردنية، والبوتاس العربي، وزارا للاستثمارات القابضة، وشركة البتراء التعليمية، وغيرها.
نتنمى أن تسير الحكومة على النهج الذي أوصل به جلالة الملك في رؤية التحديث الإقتصادي نحو تنمية مالية حديثة ومستدامة تعتمد على الركائز العالمية الثلاث للبنك الدولي (العمق، الوصول والكفاءة) وبالتالي زيادة توليد الدخل ومن ثم السير نحو النمو الإقتصادي الحقيقي.
حفظ الله الأردن تحت ظل الرعاية الهاشمية الحكيمة من كل مكروه.