المستقل – بقلم: د. زيد ربابعه
شهد يوم السبت الماضي انعقاد ملتقى الحوار حول وحدة التيار الديمقراطي الأردني، بدعوة من الحزب المدني الديمقراطي، الممثل برئيس الحزب سعادة المهندس جمال عيسى جريس قموه النائب الحالي، والأمين العام سعادة النائب السابق عدنان السواعير وبمشاركة لافتة ضمّت سبعين شخصية تمثل سبعة أحزاب ديمقراطية ويسارية، إضافة إلى نخبة من الشخصيات المستقلة المؤمنة بالفكر الديمقراطي الاجتماعي.
لقد جاء هذا اللقاء في لحظة سياسية فارقة من تاريخنا المعاصر، حيث تمر الحياة الحزبية الأردنية بمرحلة إعادة تشكيل بعد إطلاق مسارات التحديث السياسي قبل أعوام. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الماسة لوجود تيار ديمقراطي موحد، يشكل خيارًا ثالثًا ووازنًا بين التيار المحافظ والتيار الديني اليميني، ويحمل خطابًا عقلانيًا إصلاحيًا قادرًا على إحداث التوازن في المشهد السياسي.
التيار الديمقراطي: حضور فكري بلا قوة مؤسسية
منذ عقود، والتيار الديمقراطي واليساري حاضر في الأردن فكريًا وثقافيًا وسياسيًا، وله بصمات واضحة في الإعلام والمجتمع والاقتصاد. لكن، وبكل صراحة، هذا الحضور ظل مشتتًا، يعتمد على جهود فردية أكثر من كونه عملًا مؤسسيًا منظمًا. وهذا ما أضعف قدرته على التأثير في القرارات الوطنية وصناعة السياسات العامة.
إن اجتماع سبعة أحزاب مع شخصيات مستقلة تحت سقف واحد ليس حدثًا عابرًا، بل هو إشارة على إدراك عميق لحجم الأزمة التي يعيشها هذا التيار، وإيمان بأهمية الخروج من التشرذم نحو وحدة قادرة على التأثير والتمثيل الشعبي. ومن أبرز مخرجات الملتقى، تشكيل لجنة متابعة تضم ممثلين عن الأحزاب والمستقلين، للعمل على وضع تصور عملي لتوحيد الجهود وتحديد آليات التعاون.
دروس من انتخابات 2024
لا يمكن إنكار أن نتائج الانتخابات النيابية في أيلول 2024 كانت انتكاسة مؤلمة للتيار الديمقراطي واليساري، إذ فشل في تحقيق أي حضور تحت قبة البرلمان، ما أخرجه من دائرة التأثير التشريعي لأربع سنوات كاملة.
وأقولها بكل وضوح: هذه الخسارة لم تكن حتمية، بل كانت ثمرة الفردية في اتخاذ القرار، وغياب التوافق داخل الأحزاب، والتنافس غير المبرر على شكل القوائم، والطموحات الشخصية الضيقة. لو أننا اتحدنا، كما أثبتت الأرقام، لكان بإمكاننا تشكيل كتلة وازنة مؤثرة.
نحو وحدة حقيقية واستعداد مبكر
إن لقاء الأمس ليس سوى الخطوة الأولى في مسار طويل لبناء وحدة حقيقية للتيار الديمقراطي، بعيدًا عن الحسابات الضيقة، وبهدف تشكيل منظومة حزبية ديمقراطية قوية تستعد مبكرًا لانتخابات المجالس المحلية والبلدية، وكذلك الانتخابات النيابية المقبلة.
على لجنة المتابعة أن تنفتح على جميع الكفاءات الديمقراطية في الأردن، وأن تبتعد عن الحساسيات الحزبية والشخصية، وأن تعمل على إقناع العزوفين عن الانخراط بأن التيار اليوم جاد في التغيير. إننا بحاجة إلى إثبات وجودنا في كافة المجالات: السياسية، الاقتصادية، الثقافية، والاجتماعية، حتى يدرك الشارع الأردني أننا البديل الثالث الموثوق.
كلمة أخيرة
إذا أردنا أن نصنع فرقًا حقيقيًا، فعلينا أن نؤمن أن الوحدة ليست خيارًا تكتيكيًا، بل قدرٌ سياسي لا بد منه. فإما أن نلتقي تحت راية مشروع وطني ديمقراطي جامع، أو نظل أسرى التشتت، نراقب الفرص وهي تضيع من بين أيدينا.
إن التيار الديمقراطي الأردني أمام فرصة تاريخية ليعيد تموضعه كقوة فاعلة ومؤثرة… ولن يتحقق ذلك إلا إذا تخلينا عن “أنا” الحزبية لصالح “نحن” الوطنية.