المستقل – كتب : خالد دلال
يبدو أن الجهل واللامبالاة والاستهتار البشري مستمرة، لما تواجهه الأرض من أخطار محدقة، بفعل تداعيات التغير المناخي الكارثية، التي لن تقف عند حد، ما دام البشر ممعنون في عنادهم للطبيعة وتغافلهم لقوتها المدمرة، التي لديها من الجبروت ما قد يجعل البشرية ومستقبلها “أَثَراً بَعدَ عَيْن”.
ها هم علماء المناخ، في مختلف أصقاع المعمورة، ومنهم في مرصد كوبرنيكوس التابع للاتحاد الأوروبي ومكتب الأرصاد الجوية البريطاني، يحذرون من أن الأرض قد تستمر في ارتفاع درجة حرارتها للعام الثالث على التوالي في 2025، “ليكون ضمن الأعوام الأكثر حرارة في تاريخ العالم، بعدما تجاوزت درجة الحرارة عتبة الاحتباس الحراري البالغة 1.5 درجة مئوية خلال العام 2024″، وما يعنيه ذلك من استعار في حرائق الغابات وغزارة في الهطول المطري وأعاصير شديدة وفيضانات مهلكة وزلازل مدمرة وذوبان للجليد في قطبي الأرض وظروف جوية متطرفة ستحصد عشرات الآلاف إن لم تكن مئات الآلاف، وقد تصل للملايين، من الأرواح.
المصيبة التي تواجهنا هي من صنع أيدينا، والخطر كان وما يزال في الاحترار العالمي الذي سببته الغازات الدفيئة المنبعثة من الأنشطة البشرية، خصوصا ما ينتج عن حرق الوقود الأحفوري من نفط وفحم وغاز، وما يطلقه كل ذلك من غازات قاتلة للطبيعة. وذلك طبعا إضافة إلى ظاهرة النينو المناخية، “حيث يؤدي الدفء القادم من المحيط الهادئ الاستوائي لارتفاع درجة حرارة الكوكب الأزرق”.
لم يكف البشرية أن درجات الحرارة العالمية حطمت الأرقام القياسية العام 2023 ومرة جديدة العام 2024، ما جعل العلماء في حيرة من الأمر، بل ها هي البشرية تفشل مجددا في الاتفاق بشكل حاسم على إنقاذ الأرض في مؤتمر COP29 للمناخ الذي عقد في أذربيجان أخيرا، ولم يستطع إلا حصد 300 مليار دولار سنويا للدول النامية لمواجهة وحش التغير المناخي، بينما الواقع يتطلب 1.3 تريليون دولار سنويا على الأقل.
الكوارث المناخية قادمة لا محالة، وهذا ما دفع أحد علماء المناخ، ريتشارد ألان من جامعة ريدينغ البريطانية، إلى القول “إن الحرارة العالمية القياسية خلال العامين الماضيين دفعت الكوكب إلى ساحة المجهول”. وهو نفس ما دعا مدير معهد غودارد لدراسات الفضاء التابع لوكالة ناسا، غافين شميت، إلى التحذير من أن البشرية قد تشهد “تغييرا جوهريا في كيفية عمل النظام المناخي للأرض”.
الطامة الكبرى أنه ما يزال هناك من ينكر كارثة التغير المناخي التي حلت بنا وتفاقمت خلال العقود الأخيرة، وأولهم للأسف، سيد البيت الأبيض القادم بقوة، دونالد ترامب، الذي سيعمل على خروج الولايات المتحدة من اتفاقيات المناخ العالمية، وأهمها اتفاقية باريس، التي أبرمت في العام 2015، “وتنص على حتمية ألا تزيد درجة الحرارة حول العالم، في المستويات الحالية، على 1.5 درجة مئوية”، وكل ذلك عبر العمل الأممي الجاد وصولا إلى الحياد الصفري بما يتعلق بانبعاثات غازات الدفيئة (ثاني أكسيد الكربون والميثان تحديدا)، والخطوة الأولى لذلك تكمن بالالتزام بالتخلص التدريجي، ولكن الممنهج، من مختلف مصادر الوقود الأحفوري وإطلاق العنان للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وهي كثيرة.
صمودنا على هذا الكوكب في مهب الريح، والوقت يداهم الجميع، ولا بد من التحرك والتزام الدول والقادة وضخ تريليونات الدولارات في مجابهة التغير المناخي والتوجه نحو الطاقة الخضراء، وإلا فإن الطبيعة سترينا من غضبها أضعافا مضاعفة لما حل في الكوكب من كوارث الحروب مجتمعة عبر التاريخ. فهل من عقلاء، أم أن جنون البشر في قتل بعضهم بعضا سيستمر أولوية شيطانية لهم؟