32.1 C
Amman
الأربعاء, يونيو 18, 2025
spot_img
الرئيسيةمحلياتابو نايف يكتب : "الفِدية المجتمعية" حين يصبح الانقياد للتريند تواطؤًا مع...

ابو نايف يكتب : “الفِدية المجتمعية” حين يصبح الانقياد للتريند تواطؤًا مع التشويه

المستقل – كتب : ابو نايف

في المشهد الأردني، لم تعد أزمة المسؤول محصورة في حدود الكفاءة أو القدرة على اتخاذ القرار، بل تجاوزتها إلى ما هو أعمق: أزمة ارتجاف سياسي وأخلاقي أمام تريند لم يعد بريئًا، ولا حرًا، ولا حتى وطنيًا في أولوياته. فالرأي العام اليوم واقع تحت اختطاف منهجي تقوده تيارات سياسية متغلغلة، تضخ في عروق المزاج الشعبي ما يخدم مشاريعها العابرة للحدود، بينما تدفع القضية الأردنية إلى الهامش، حيث لا يُسمع صوتها إلا باهتًا في زحمة القضايا المستوردة. لم يعد الشارع انعكاسًا صادقًا لهموم المجتمع، بل صار مسرحًا تعبث به أدوات منظمة، تدير الغضب كما تُدار الصفحات الساخنة على وسائل التواصل.

في هذا السياق المشوش، يولد ما يمكن وصفه بـ”الفِدية المجتمعية”، حيث يغدو المسؤول أسيرًا لفكرة إرضاء للتريند وللمثاليه المقيته التي يعلوها التكلف ، لا عبر خدمة المصلحة العامة، بل عبر أداء استعراضي يوازي ما يطلبه المتفرجون. في السياسة، كما في التحكيم الرياضي، يتحول المسؤول إلى من يحاول كسب تصفيق الجمهور لا احترامه، إلى من يخشى السخط أكثر مما يخشى الخطأ، ويبحث عن التبرير أكثر من الحقيقة. لكنه بذلك لا يتجاوب مع مشاعر الناس بل مع نسخة مزيفة منها، أنتجتها غرف التيارات والمنصات والجماعات الأيديولوجية التي تسعى لأن يبقى الأردن ساحةً لتصفيات الآخرين لا مشروعًا سياديًا لنفسه.

الرأي العام ليس محايدًا. بل صار في كثير من الأحيان يُستعمل كأداة ضغط تُصنع بعناية، وتُدفع للمقدمة كلما دعت الحاجة لتعطيل قرار سيادي، أو إخماد مسار إصلاحي، أو إشغال الدولة عن أولوياتها الحقيقية. وهنا، لا يكون المسؤول المرتجف ضحية لهذا التشويه، بل شريكًا فيه، حين يختار الانقياد بدل القيادة، والمناورة بدل المواجهة، والتصفيق بدل الإصلاح.

يتقمص دور من يُقاد، لا من يقود. يقرأ التغريدات أكثر مما يقرأ نصوص الدستور، يمسك الميكروفون أكثر مما يمسك الملفات، يغازل الشارع بلغة العاطفة والمثالية وهو في المنصب العام، ويساير من يُفترض أن يضع لهم حدًا. هو المسؤول الذي يلغي ويبرر ويتراجع كلما ارتفعت الأصوات، دون أن يسأل: هل هذه الأصوات نابعة من مصلحة وطنية حقيقية، أم أنها مجرد صدى لمشاريع لا تعترف بالأردن إلا كأداة أو ممر أو منصة مؤقتة؟ وفي زحمة هذا الانقياد، تضيع القضية الأردنية، ويضيع معها المشروع الوطني ذاته. تتلاشى معارك السيادة، وتؤجل مواجهات الفساد، وتتآكل الهوية، ويُعاد توزيع الثروة بما يُرضي اللحظة لا بما يُنصف الوطن. أما الدولة، فتصبح رد فعل، والمؤسسات تتحول إلى مرايا مشروخة تعكس تقلبات المزاج العام بدل أن توجهه أو تعدله أو ترفعه.

النجاة لا تكون بمسؤول يذوب في الجماهير، بل بمسؤول يمتلك شجاعة أن يعقل في زمن الانفعال، أن يقول “لا” حين تُصنع “نعم” في غرف الضغط، أن يرفع رأس الدولة فوق تيارات الابتزاز الجماهيري، لا أن يقدمها قربانًا على مذبح الغضب المؤقت. وحده من لا يخشى كلفة القرار، من لا يهادن التشويه، من لا يساوم على سيادة الموقف، يمكن أن يحافظ على هيبة الدولة ، وللوطن صوته. لأن من يُسلّم نفسه للجماهير اليوم، يُسلّم مؤسسات وطنه غدًا لمن اختطف هذه الجماهير.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

اقرأ ايضا