المستقل ـ في الأونة الأخيرة شهدت صناعة الدراما تحولًا كبيرًا ، حيث أصبحت منصات التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيًا من عملية إنتاج المحتوى الفني.
في البداية، كانت هذه المنصات تُستخدم فقط كأداة ترويجية للأعمال، لكن مع مرور الوقت، أصبح لها دور محوري في تحديد الموضوعات التي يتم تناولها في الدراما. منصات مثل تويتر، إنستجرام، وفيسبوك لم تعد مجرد وسائل للتواصل، بل أصبحت منابع أساسية لإستلهام المواضيع والأفكار التي تستهلكها الأعمال الدرامية. في هذا السياق، ظهرت العديد من المسلسلات التي تأثرت بشكل مباشر بالقضايا والمواقف التي يتم تداولها يوميًا عبر هذه الشبكات.
وأصبح السباق الدرامي الرمضاني يحفل في كل عام بتقديم مسلسلات ذات مواضيع مرتبطة بإتصال حياة الناس مع مواقع ومنصات التواصل الإجتماعي، وتأثير هذه الأخيرة على حياة وأفكار وسلوكيات واستهلاك الناس أيضًا.
السوشل ميديا من مروج إلى سيناريست
بالطبع، لا نغفل عن دور السوشل ميديا في ترويج الأعمال الدرامية، فكثير من قرارات المتابعة مرهونة لدى الجمهور بمن يحقق «الترند» سواء كعمل أو فنان. لكن اللافت اليوم أن هناك كتاب سوشل ميديا، بمعنى أفكارهم ونصوصهم مما يطرح على هذه المنصات.
ورغم أن هذه الظاهرة تقدم فرصًا جديدة للكتابة والإبتكار، إلا أن الكتاب والمخرجين يواجهون تحديات كبيرة في تحويل المواضيع الرقمية إلى محتوى درامي ممتد وذو معنى. التحدي يكمن في كيفية دمج القضايا الرقمية التي تشغل منصات التواصل في أعمال درامية معقدة، ذات أبعاد إنسانية واجتماعية. يمكن أن تتحول فكرة مبتكرة انتشرت على تويتر إلى حبكة درامية سطحية إذا لم يتم تطويرها بالشكل الصحيح.
يقول محمد صبيح -كاتب وسيناريست: « أعتقد أن منصات التواصل الاجتماعي قد قدمت فرصة جديدة يمكن أن تسد الفراغ الذي يعاني منه قطاع الدراما التلفزيونية..بحيث تتوفر فيها سمات ومواصفات تغني عن إشكاليات سواء تعقيدات الإنتاج والتسويق وغيرها التي تستطيع منصات التواصل الاجتماعي تلافيها وتوفر منابر درامية يستطيع جيل كامل من الشباب استغلالها والتواصل مع اكبر قطاع من المتفرجين وهم فئة واسعة تمتلك ذوقا وثقافة مميزة اذا استطاع صُناع الدراما الالتفات والتكيف النوعي مع متطلبات هذة المنصات وتأهيل كل المنظومة الدرامية لأستغلال هذه المنصات بشكل عام وفي المواسم الدرامية بشكل خاص لتحل محل ما يطرح بأغلبه على الأنترنت من محتوى ومستوى سطحي وهامشي..».ينشد السرعة المتسارعة في المشاهدة والمتابعة من جمهور يتلقف أي مادة دون تمحيص وتدقيق !»
ويضيف الكاتب صبيح «أن عدم الإهتمام بمنصات التواصل الاجتماعي لطرح دراما جديدة في المحتوى والمستوى قد ترك المجال لتوفر دراما هابطة ( قشروية) سطحية في معالجة أغلب مظاهر المجتمع السلبية…فالسائد يروج من خلال الدراما إلى ثقافة سائدة..استهلاكية وبعيدة عن ثقافتنا واهتماماتنا المجتمعية والوطنية « وآزماتنا الاقتصادية الأجتماعية « وقطاع الشباب وهو الأوسع الممتد ألذي يعاني من مشاكل شتى وهو المستهدف في جيل يقضي الساعات الطوال على الأنترنت ويعب بشغف ويجب استغلال منصات التواصل الاجتماعي للوصول لهذا القطاع الواسع الممتد…خصوصا وأن الدراما التلفزيونية والإذاعية انحسرت وتنحسر كل يوم وتخلي مكانها لهذه(المنصات ) التي تنتظر دراما غنية تغوص في عمق مشاكلنا ومشاكل الشباب في مقدمتها…من بطالة وتخريب وتغريب..وآن للدراما أن تقوم بدورها المنشود المفقود!». ويرى رسمي الجراح، فنان وناقد ان وسائل التواصل الاجتماعي «عجزت عن خدمة الدراما في كل العالم، لان إهتمام منتجي المحتوى او ما يسمون بالمؤثرين منشغلين بالكسب المادي واهتماماتهم الشخصية فوق كل إعتبار ولا يعرفون في الأساس كلمة دراما «.
ويضيف «ثم ان جميع وسائل التواصل عجزت عن بناء منصة مثلا لانتاج عمل درامي واحد لان اللهث السريع وراء الكسب افرز منافسة رابح وخاسر، فخلقت تلك المنافسة حالة تقليب المحتوى بسرعة هائلة لدى المتابعين مما فرض على وسائل التواصل المحتوى وطريقة التعامل مع جمهور متسرع ومندفع نحو الاني وهنا وجدت حالة التشتت والانفلات» . وبين الجراح أن «كل المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي عبارة عن مقاطع قصيرة جدا، او عبارات منقولة ومكررة ، او ردود او مهاترات او تهان او تعاز، ولذلك يستحيل ان تنتج او تجد مادة درامية «ز
وزاد من وجهة نظره بالقول « بل ان المحتوى ساذج جدًا, فقط من الشارع والحي، يمكنك ان تنتج افضل واعمق دراما , المدونيين ينقلون ما في الشارع والبيوت والحارات ويتم تعليبها في صناديق الصور في هواتفهم ، اذا من هنا لم احقق شيئا بل قلدت ما في الخارج ويأتي مقلد ويقلد المقلد.. وهكذا، ولذلك لن نجد مادة درامية لان ما يحصل كمن يفتح نافذة غرفته على الشارع ويغلقها فقط».
هل هذا ما يريده الجمهور ؟
يرى الصحفي المصري المهتم بالشأن الفني محمد مجدي أن اعمالًا كثيرة نجحت في إستلهام مواضيعها نت منصات التواصل الإجتماعي ومنها مثلا مسلسل، «أعلى نسبة مشاهدة»، هو مسلسل مصري عرض في رمضان 2024 ، وتدور أحداث المسلسل عن قصة حقيقية، حول (شيماء)؛ وهي فتاة تنحدر من عائلة بسيطة، تعاني من الفقر، تحاول هي وشقيقتها تخطي تلك الحياة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فهي مهووسة بموقع الـ(تيك توك)، حيث تقع لهما العديد من الأمور المشوقة، وتتوالى الأحداث.
وقال مجدي « أحب هنا أن أركز أكثر على انه قبل ظهور السوشال ميديا، لم يكن أحد ينتبه للعديد من الأخطاء التي كانت تمر دون ادنى حديث عنها، لكن السوشال ميديا حالياً كفيلة بالتركيز على أي تجاوز أو سرد خاطىىء ، بل ووضعها تحت عدسة مكبرة وتناول للتصحيح.
ويؤكد الصحفي مجدي أن العالم العربي زاخر بل أنه أشبه بلوحة فسيفسائية، ثرية ومتنوعة هي الحالة العربية، فلماذا نلجأ للنسخ المكررة والمتشابهة، وحتى للأعمال المعربة.
ويقول « التنوّعات الكثيرة داخل كل مجتمع عربي، كفيلة لمنح الكاتب الطرح والتغيير، ولا يجب أن ينساق إلى ضغوط متعلقة بالجمهور، وليس مطلوب من الكتاب تقديم حلول أو تعديل المسار الدرامي بناءً على آراء المتابعين على السوشيال ميديا.
تأثير التواصل الاجتماعي على استقبال الجمهور
ومن وجهة نظر مجتمعية يرى حسين الخزاعي، الدكتور في علم الإجتماع أن الجمهور عبر منصات مثل تويتر والفيسبوك وإنستجرام وتيك توك قد أحدث تغييرا جذريا في كيفية التعاطي واستهلاك الأعمال الدرامية، مثلها مثل باقي مناحي الحياة.
وزاد أن للمشاهدين الآن دور أكبر في تحديد مسار إختيار المواضيع وسير الأحداث فيها، حيث يُعبّرون عن آرائهم بشكل مستمر عبر هذه الشبكات.
ويرى هذا التفاعل السريع قد يكون إيجابيًا في بعض الأحيان، حيث يُشعر المشاهدون بأنهم جزء من العملية الإبداعية، لكن في حالات أخرى، قد يؤدي إلى ضغطوطات على الكتاب والمخرجين في اختيار ما يقدم، وايضا لتغيير مسار الحلقات أو إضافة أحداث غير مخطط لها من قبل.»من مبدأ الجمهور يريد» .
صحيا واجتماعيا، نحبذ أن يقدم «ترند» اجتماعي يؤدي في تحول المجتمعات الى الافضل وليس مجرد «ضجيج» فارغ من القيم الدرامية العميقة التي يجب ان تسعى للتصحيح وبعث قيم ايجابية وصحيحة.
نعم، السوشيال ميديا تساهم في إثراء المواضيع أحيانا، لكنها في الوقت نفسه تفرض اختيارات غير مدروسة واحيانا سريعة في التعامل مع القضايا. علينا أن نكون حذرين في كيفية دمج الأفكار الرقمية في الأعمال دون التفريط في الجوهر الفني عالي الجودة.
مطلوب من الكتاب مزيد من التنوع والعمق. السوشيال ميديا تفرض بعض المعايير التي قد تجعل العمل يبتعد عن أصالته الفنية. ونحن بحاجة لدور الدراما الحقيقي والأصيل
الدستور رنا حداد