المستقل – كتب : العميد المتقاعد علي فريحات
مفهوم الأمن : على الرغم من حداثة الدراسات في موضوع “الأمن” فإن مفاهيم “الأمن” قد أصبحت محددة وواضحة في فكر وعقل القيادات السياسية والفكرية في الكثير من الدول.. وقد برزت كتابات متعددة في هذا المجال، وشاعت مفاهيم بعينها في إطاره لعل أبرزها “الأمن القومي وفي مجال التوصل إلى مفهوم متفق عليه “للأمن”، فإنه يجدر بنا التعرف على ذلك المدلول في إطار المدارس الفكرية المعاصرة.
** “فالأمن ” من وجهة نظري “حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية “. يعني أي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء.
إن الأمن يعني التطور والتنمية، سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في ظل حماية مضمونة”. إن الأمن الحقيقي للدولة ينبع من معرفتها العميقة للمصادر التي تهدد مختلف قدراتها ومواجهتها؛ لإعطاء الفرصة لتنمية تلك القدرات تنمية حقيقية في كافة المجالات سواء في الحاضر أو المستقبل”.
ولعل أدق مفهوم “للأمن” هو ما ورد في القرآن الكريم في قوله – سبحانه وتعالى -: “فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِنْ جُوعٍ وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ”. ومن هنا نؤكد أن الأمن هو ضد الخوف، والخوف بالمفهوم الحديث يعني التهديد الشامل، سواء منه الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، الداخلي منه والخارجي.
وفي إطار هذه الحقيقة يكون المفهوم الشامل “للأمن” من وجهة نظري هو: “القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والعسكرية، في شتَّي المجالات في مواجهة المصادر التي تتهدَّدُها في الداخل والخارج، في السلم وفي الحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمَّن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل تخطيطاً للأهداف المخططة”.
ركائز وأبعاد ومستويات الأمن :
على ضوء المفهوم الشامل للأمن، فإنه يعني تهيئة الظروف المناسبة والمناخ المناسب للانطلاق بالإستراتيجية المخططة للتنمية الشاملة، بهدف تأمين الدولة من الداخل والخارج، بما يدفع التهديدات باختلاف أبعادها، بالقدر الذي يكفل لشعبها حياة مستقرة توفر له أقصى طاقة للنهوض والتقدم. من هنا فإن شمولية الأمن تعني أن له أبعادًا متعددة :
أولها: البُعْد السياسي : ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة.
ثانيًا: البُعْد الاقتصادي: الذي يرمي إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية له.
ثالثًا: البُعد الاجتماعي : الذي يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء.
رابعًا: البُعْد المعنوي أو الأيديولوجي : الذي يؤمِّن الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم.
خامسًا: البُعْد البيئي: الذي يوفِّر التأمين ضد أخطار البيئة خاصة التخلص من النفايات ومسببات التلوث حفاظاً على الأمن.
* هذا ويتم صياغة الأمن على ضوء أربع ركائز أساسية:
أولاً: إدراك التهديدات سواء الخارجية منها أو الداخلية.
ثانيًا: رسم إستراتيجية لتنمية قوى الدولة والحاجة إلى الانطلاق المؤمَّن لها.
ثالثًا: توفير القدرة على مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية ببناء القوة المسلحة وقوة الشرطة القادرة على التصدي والمواجهة لهذه التهديدات.
رابعًا: إعداد سيناريوهات واتخاذ إجراءات لمواجهة التهديدات التي تتناسب معها.. وتتصاعد تدريجيًّا مع تصاعد التهديد سواء خارجيًّا أو داخليًّا.
* وللأمن مستويات:
أمن الفرد ضد أية أخطار تهدد حياته أو ممتلكاته أو أسرته.
أمن الوطن ضد أية أخطار خارجية أو داخلية للدولة وهو ما يُعبَّر عنه “بالأمن الوطني”.
الأمن القُطري أو الجماعي، ويعني اتفاق عدة دول في إطار إقليم واحد على التخطيط لمواجهة التهديدات التي تواجهها داخليًّا وخارجيًّا، وهو ما يعبر عنه “بالأمن القومي”.
الأمن الدولي.. وهو الذي تتولاه المنظمات الدولية سواء منها الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي و دورهما في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
المفهوم في النظام العربي:
بدأ الفكر السياسي العربي في الاهتمام بصياغة محددة ومفهوم متعارف عليه في منتصف السبعينيات، وتعددت اجتهادات المفكرين العرب من خلال الأبحاث والدراسات والمؤلفات سواء في المعاهد العلمية المتخصصة، أو في مراكز الدراسات السياسية، والتي تحاول تعريف ذلك الأمن،
في النهاية يمكن القول: إن الفكر السياسي لم ينتهِ بعد إلى صياغة محددة لمفهوم “الأمن القومي يواكب تحولات المناخ الإقليمي والدولي وتوازناته وانعكاسها على تصور وأبعاد هذا الأمن، وإن هذا الموضوع ما زال مطروحاً للتحليل ومفتوحاً للمناقشة رغم كل ما كتب عنه “.