المستقل – كتب : علاء القرالة
في منطقة لا تكاد تهدأ حتى تشتعل من جديد، يبقى الأردن ثابتا على مواقفه، متماسكا في جبهته الداخلية، صامدا في وجه الأزمات التي لا تعترف بحدود ولا بسيادة، فالأردن وبقيادته وشعبه وسط هذا الإعصار الإقليمي، لا يزال يحكم البوصلة بعقلانية ومسؤولية وطنية، فما رسالة لقاء الملك برؤساء السلطات والقيادات الامنية؟
الرسالة التي حملها حديث الملك كانت واضحة ومباشرة للجميع في العالم: الأردن لن يسمح لأحد باستغلال ما يجري للتشكيك بمواقفه الثابتة، وهذا ليس مجرد موقف سياسي، بل تعبير صادق عن هوية الدولة الأردنية التي لم تساوم يوما على مبادئها، مهما اشتدت الضغوط، ومهما تغيرت المعادلات من حولها، فالأردن مستمر ثابت تجاه قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
لكن ما يلفت الانتباه أكثر، أن جلالة الملك لم يكتف بالتأكيد على الثوابت السياسية للدولة الأردنية، بل وسع النظرة لتشمل الوضع الداخلي (الاقتصادي تحديدا) حين وجه مؤسسات الدولة للعمل على تخفيف الآثار السلبية الناجمة عن التصعيد بالمنطقة، لحماية المواطنين من تداعيات الأزمات الكبرى.
الاقتصاد الأردني، رغم ما واجهه من تحديات متتالية، أثبت في السنوات الأخيرة قدرة لافتة على امتصاص الصدمات، فحين اجتاحت جائحة كورونا العالم وتوقفت عجلة الاقتصاد في دول ذات بنى أضخم وموارد أكثر، نجح الأردن في تحقيق “معادلة صعبة” قائمة على حماية الصحة العامة دون أن يحدث انهيار اقتصادي.. نعم تأثرنا، غير أننا لم نسقط..
ثم جاءت الحرب الروسية الأوكرانية، التي تسببت في ارتفاع غير مسبوق بأسعار الطاقة والغذاء عالميا وفرضت ضغوطا هائلة على سلاسل التوريد، ومع ذلك استطاع الأردن أن يبقي الأسواق مستقرة وأن يدير ملف الأمن الغذائي بحرفية وبمعدلات تضخم مستقرة.
اليوم، بينما يشهد الإقليم تصعيدا متواصلا منذ اندلاع الحرب على غزة، أعاد الأردن تموضعه في سياسة اقتصادية متزنة، تستند إلى واقعية مالية وانضباط إداري، وتوجيه الموارد نحو القطاعات الإنتاجية الخدمية التي تمس حياة الناس مباشرة.
الملك جدد التأكيد على أنه لا استقرار في المنطقة دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، داعيا إلى تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة وخفض التصعيد، وصولًا إلى أفق سياسي حقيقي يكون مقدمة لإنهاء الصراع في المنطقة.
حديث الملك عن “أهمية تماسك الجبهة الداخلية وتعزيز الروح الوطنية” ليس شعارا، بل مقاربة استراتيجية مهمة، فالدول التي تتماسك شعبيا وتبقي على الحد الأدنى من الثقة بين المواطن والدولة قادرة على اجتياز العواصف دون أن تفقد بوصلة الاستقرار.
خلاصة القول؛ حديث ملكي مهم يحمل ثلاث رسائل. أولا: لا تهاون في الثوابت الوطنية؛ وثانيا: لا استسلام أمام التحديات الاقتصادية؛ وثالثا: لا حياد عن طريق الحوار والدبلوماسية لإقامة الدولة الفلسطينية، فالملك لم يشرح موقفا.. بل حسمه.
“الرأي”