المستقل – كتب : محمد الخطيب
في زمنٍ اعتاد الناس فيه أن ينظروا إلى القادة كرموزٍ صلبة لا تتأثر، ينسى كثيرون أن خلف الموقع والمسؤولية إنسانا من لحمٍ ودم، يشعر بما نشعر به، ويتعب كما نتعب، ويقلق كما نقلق، ويمرض كما يمرض البشر جميعا.
جلالة الملك عبدالله الثاني، رغم ما يحمله من ألقاب ومسؤوليات تاريخية، هو قبل كل شيء إنسان… إنسان يكبر في العمر كما يكبر كل الآباء، وتثقل عليه أحيانا سنوات العطاء الطويلة، لكنّه لا يتوقف عن الوقوف ولا يعرف التراجع أمام المسؤولية. يعيش القلق ذاته الذي يعيشه كل من يحمل همّ من يحب، ويحتمل عبء التفكير بالمصير والمستقبل، ثم يمضي بثبات ليواصل أداء واجبه، لأن ما يحمله ليس مهمة عابرة، بل رسالة، وما يؤديه ليس عملاً يوميا، بل قدر اختاره بإيمان والتزام.
هو إنسان يفكر … بل يرهقه التفكير. يفكر بالأردن واستقراره، بالأمن والخبز والماء، بالحدود وما حولها، وبمستقبل وطنٍ صغير بحجمه كبير بتحدياته، وبأجيالٍ لم تولد بعد. ويفكر، كما لم يتوقف يوما، بالقضية الفلسطينية العادلة، وبالقدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وبغزة الجريحة، وبحق الإنسان في الحياة والكرامة، وبمخاطر التهجير وتبديل الحقائق ومحاولات فرض الأمر الواقع.
يقلق كما يقلق أي ربّ أسرة حين تتعقد الأيام وتشتد الأزمات، لكنه مضطر أن يحمل هذا القلق وحده، لأن موقعه لا يسمح بالشكوى، بل يفرض الطمأنينة، ويُلزمه بأن يكون صوت الحكمة حين تعلو الضوضاء، وسند الحق مهما طال الطريق.
وفي لحظات التعب والإرهاق وثِقَل التفكير، يتجلّى المعنى العميق للإنسانية: أن القائد لا يكون عظيما لأنه لا يتعب، بل لأنه يواصل رغم الثِّقل، ويثبت رغم الاستنزاف. فالقوة الحقيقية لا تكمن في إنكار التعب، بل في تجاوزه بالإيمان والمسؤولية، وفي الاستمرار بحمل الأمانة دون ضجيج، ووضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، مهما طال الطريق أو ازدادت التحديات.
حين نختلف أو نتفق، حين ننتقد أو نؤيد، يجدر بنا أن نتذكر هذه الحقيقة البسيطة والعميقة: أن من يقودنا هو إنسان. إنسان يفكّر بعمق، يقلق بصمت، ويتحمّل ما يفوق طاقة الأفراد، ثم يواصل الطريق مستندا إلى الله، وإلى شعبٍ يبادله المحبة والدعاء.
هو إنسان يعرف معنى الانتظار، ويقدّر صبر الناس، ويدرك وجعهم حين تضيق الأحوال، فيصغي قبل أن يقرّر، ويتأنّى قبل أن يحكم. قد لا تظهر هذه اللحظات في الصور أو الخطب، لكنها تسكن في التفاصيل الصغيرة، في القرار المؤجَّل رحمة، وفي الكلمة الموزونة حرصا، وفي الصمت حين يكون الصمت أبلغ من الكلام.
وهو إنسان، رغم الموقع والمسؤولية، لم ينفصل يوما عن نبض الشارع، ولا عن بساطة الناس وأحلامهم. يحمل في قلبه الأردن كما يحمله الأردنيون في قلوبهم؛ بيتا واحدا مهما تعددت الغرف، ومصيرا واحدا مهما اختلفت الطرق.
لذلك، فإن إنصاف القائد لا يكون بالتقديس الأعمى، ولا بالجحود القاسي، بل بالفهم الإنساني العادل؛ أن ندرك حجم الحمل، ونتفهم ثقل اللحظة، ونختلف باحترام، وننتقد بحسّ وطني، لأن من أمامنا ليس فكرة مجردة، بل إنسان اختار أن يحمل الأمانة، ويمضي بها، مهما أثقلته الأيام.
حفظ الله الأردن، وحفظ قائده، وأمدّه بالصحة والقوة، لأن خلف كل قرار دولة… قلب إنسان.


