المستقل – كتب : فهد الخيطان
لإيران الحق في إطلاق ما تشاء من الأوصاف على الهجوم الأميركي المباغت على مفاعلاتها النووية الثلاثة، تماما مثلما وصفت من قبل الهجمات الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من أسبوع. خيانة للدبلوماسية كما قال وزير خارجيتها، وهجوم في خضم مفاوضات كان يمكن أن تفضي لاتفاق تاريخي.
بيد أن إسرائيل خدعت الإيرانيين، بمعرفة أميركا، وبدأت هجومها الكاسح. الرئيس الأميركي دونالد ترمب استخدم ذات النهج في الخداع؛ أعلن عن مهلة أسبوعين للدبلوماسية، وأجرى اتصالات سرية مع الجانب الإيراني، وسمح لوفد الترويكا الأوروبي بلقاء عراقجي في جنيف، ثم وقبل أن يمضي يومين على مهلة الأسبوعين، أمر قاذفاته العملاقة بدك منشأت إيران النووية، استجابة لإلحاح إسرائيلي لم ينقطع.
حسم أمره في أقل من 48 ساعة، متجاهلا نصائح تيار عريض من أنصاره بعدم التدخل المباشر والاكتفاء بالدعم العسكري والسياسي لإسرائيل.
لكن ماعسى إيران أن تفعل بعد الهجوم الأميركي؟
كانت طهران من قبل قد هددت بضرب مصالح وقواعد أميركا في المنطقة في حال تعرضت لهجوم أميركي، وإغلاق مضيق هرمز لخنق التجارة العالمية، خاصة صادرات النفط. وفي الطريق تفعيل نشاط أذرعها في المنطقة، خاصة الحوثيين، الذين توعدوا بالأمس بالتنصل من اتفاقهم مع واشنطن ومعاودة ضرب السفن الأميركية في البحر الأحمر.
حزمة هذه الردود، تعني ببساطة أن إيران تذهب لحرب كاملة الأوصاف مع الولايات المتحدة.
بعد مضي ساعات على الضربات الأميركية، اقتصر الرد الإيراني على توجيه رشقات قوية ومدمرة من الصواريخ على المدن الإسرائيلية، ترافقت مع تهديدات أطلقها مسؤولون في الحرس الثوري الإيراني باستهداف مصالح أميركية.
لقد تلقت إيران ضربات موجعة من إسرائيل طوال الأسبوع الماضي وخسرت خيرة القادة العسكريين والعلماء النوويين. وبدا واضحا أن حجم الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي أكبر مما كان متوقعا، لدرجة بدت معه طهران مكشوفة تماما، وعاجزة عن احتواء مخاطر هذا الاختراق.
إزاء هذه التطورات الخطيرة، من الصعب أن نتوقع ردا إيرانيا يطاول القواعد والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط،لأن ذلك يعني فتح الباب لهجمات أميركية واسعة على إيران، تضع نظامها السياسي في مهب الريح، وتفتح المجال لاحتمالات خطيرة على الداخل الإيراني.
وأي هجوم على مصالح أميركية قائمة في دول المنطقة يعني دفع هذه الدول للوقوف إلى جانب واشنطن في حربها ضد إيران. وهذا بالتأكيد ليس من مصلحتها.
يمكن لإيران أن تبقي جبهة المواجهة مع إسرائيل مشتعلة لأيام، وتضرب مزيدا من الأهداف في العمق الإسرائيلي، انتقاما مما لحق بها من خسائر، لكن أبعد من ذلك يعني مسارا كارثيا للأحداث.
في إيران وبالرغم من خطاب الحرب المرتفع في المنابر الإعلامية والفضاء الإيراني، وحالة الهيجان السياسي بسبب ماتتعرض له البلاد، إلا أن في أوساط النخبة الحاكمة. شخصيات وازنة تعرف خطورة التصعيد العسكري مع واشنطن، وأكلاف المواجهة مع إدارة ترمب، التي لن ترضى بأقل من سحق الجمهورية الإسلامية، وإعادتها عقود إلى الوراء.
ليس أمام طهران الآن سوى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مشروعها النووي، وتبيت أركان النظام السياسي، وضبط ردود الأفعال، تمهيدا لمرحلة جديدة مختلفة كليا، ربما تتمكن معها من الوصول لتفاهمات حول حدود طموحها النووي، وحدود نفوذها الإقليمي. خلاف ذلك، ستكون المنطقة برمتها أمام حرب أوسع أكثر تدميرا مما شهدنا في حروب سابقة. الكرة في ملعب طهران.
“الغد”