14.1 C
Amman
الخميس, نوفمبر 21, 2024
الرئيسيةعالم التكنولوجياكيف ساعدت علوم الحضارة الإسلامية في تشكيل العالم الغربي؟

كيف ساعدت علوم الحضارة الإسلامية في تشكيل العالم الغربي؟

المستقل – عندما كانت أوروبا غارقة في ظلام العصور الوسطى عقب نهاية الحضارة الإغريقية الرومانية، كان الفلكيون العرب يرصدون السماء من مراصد في سمرقند وبغداد ودمشق والقاهرة ومراكش وقرطبة، حيث كان الأطباء والفلاسفة والفيزيائيون والرياضيون والجغرافيون والخيميائيون يتابعون أبحاثهم حافظين ومطورين للمعارف التي حصلوها أساساً من الإغريق القدماء مع بعض الإسهامات من بلاد ما بين النهرين القديمة وفارس الساسانية والهند والصين

ثم انتقلت علوم العالم الإسلامي بدورها إلى أوروبا من خلال هؤلاء العلماء، بداية من القرنين التاسع والعاشر الميلاديين. وكانت الترجمات من العربية إلى اللاتينية دافعة ومحفزة لحدوث التطورات التي أدت إلى الثورة العلمية في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، بظهور نظريات واكتشافات كوبرنيكوس وكبلر وجاليليو ونيوتن. وواصل العلماء المسلمون أبحاثهم الأصيلة حتى أواسط القرن السادس عشر الميلادي في ميدان علم الفلك على وجه الخصوص باستحداث نماذج هندسية أكثر ملاءمة للظواهر المرصودة لسلوك منظومة الكواكب من نماذج بطليموس، وأثرت بدورها في كوبرنيكوس وامتد نقاشهم للسؤال الكبير عما إذا كانت الأرض تتحرك وطرحوا أفكاراً ثورية وجديدة، وصمموا نماذج رياضياتية وتنجيمية رائدة ومقبولة بشكل جيد في القرن السادس عشر الميلادي بل ربما أيضاً في القرن السابع عشر الميلادي في بعض الجوانب

من أجواء العلم العربي ( موقع الفن الإسلامي)

وابتداء من القرن الخامس عشر الميلادي توافدت إلى الإمبراطورية العثمانية أفواج المهاجرين والدبلوماسيين والعلماء والتجار والتبشيريين والمغامرين من أوروبا الشرقية والجنوبية والغربية، وأحضر بعضهم معه معارف جاليليو وديكارت ونيوتن واستوعب في المقابل المعارف الإسلامية في الرياضيات والفلك

نور من الشرق

ولكن، مع حلول القرن السابع عشر الميلادي، وكما يقول المؤرخ الأميركي جون فريلي، نسيت أوروبا ديْنها للإسلام حتى عندما قال نيوتن إنه رأى أبعد من سابقيه؛ “لأنه وقف على أكتاف عمالقة”، نجده قد أغفل تماماً أي ذكر للعلماء العرب القروسطيين الذين تعلمت أوروبا منهم العلم أولاً. لقد بدأ العديد من مؤرخي العلم المعاصرين في تأسيس الدور المهم الذي قام به العلماء والفلاسفة العرب في قيام النهضة الأوروبية الحديثة والثورة العلمية التالية لها. لكن معظم مؤلفاتهم بحسب ما أورده فريلي في كتابه “نور من الشرق” (بترجمة أحمد فؤاد باشا) أعمال تثقيفية لا تشمل إلا جوانب معينة من الموضوع، اقتصرت على الفلك الرياضياتي بصفة خاصة، ولم يتطرق أي منهم إلى مخاطبة القارئ العام بالتأليف في التاريخ الشامل للعلم الإسلامي

وبحسب الباحث أحمد فؤاد باشا فقد كان للترجمة دور رئيس في دفع حركة التقدم العلمي والتقني ونشر رسالة التنوير الحضاري القائم على العلم. فيوم أن استقر العرب في فارس ومصر، استرعت أنظارهم حركات علمية في جنديسابور وحران والإسكندرية وحاولوا أن يفيدوا منها. ويوم أن أنشأ الرشيد “دار الحكمة” لتكون أول مؤسسة علمية تعنى بترجمة أمهات الكتب اليونانية والفارسية إلى العربية، جاء المأمون بعده وأنشأ “بيت الحكمة” الذي كان بمنزلة حجر الأساس لمدرسة بغداد التي ظل تأثيرها فعالاً حتى النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي، ثم اتسعت حركة الترجمة والتعريب، فكانت ثمرتها نقلة حضارية هائلة، حققت كما يقول أحمد فؤاد باشا في تقديمه لترجمة كتاب “نور من الشرق”، أنموذجاً رائداً لتكامل الثقافات وحوارها الإيجابي على أرض الواقع الممتد من المحيط الأطلسي في الغرب إلى حدود الصين في الشرق ومن بحر خوارزم في الشمال إلى أعالي شلالات النيل في الجنوب، وذلك يعدل جل الجزء المعمور من الأرض آنذاك

قبل كولمبس علماء عرب (موقع الفن الإسلامي)

تم هذا للعرب والمسلمين قبل أن تقع عين كولمبس على شواطئ أميركا بعدة قرون، وقبل أن يستطيع فاسكو دي جاما أن يصل إلى الأرض التي حلم بها كولمبس بقرون عديدة. وكان لهذا الأخير مرشد عربي اسمه أحمد بن ماجد، كانت له خبرة بالملاحة البحرية، فاستطاع بمهارته أن يقود الرحالة الأوروبي إلى الدنيا الجديدة. وكانت علوم البحار والمحيطات بجوانبها الجغرافية والجيولوجية والحيوية والفلكية والمناخية والملاحية، كلها علوم إسلامية أصيلة، وكان الأسطول التجاري الإسلامي يقوم برحلات دورية عبر المحيط الأطلسي من ساحل إسبانيا شمالاً حتى المحيط الهندي، ويرسو من حين لآخر على أهم الموانئ الممتدة على طول الطريق، ووصلت بضاعة المسلمين في نشاطهم التجاري عبر البحار إلى كوريا واليابان والفيليبين، كما وصلت تجارتهم عن طريق البر إلى أراضي شمال أفريقيا، وإلى قلب شبه الجزيرة الأيبيرية

وفي تلك الأثناء ازدهرت العواصم والمدن الإسلامية، فكانت بغداد مجمع المحاسن والطيبات، وكانت مصر -كما وصفها ابن بطوطة عندما زارها في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)- “أم البلاد المتناهية في كثرة العمارة، المتناهية في الحسن والنضارة”، أما في الأندلس فقد حرص الحكام على أن يجعلوا من قرطبة صورة جديدة لدمشق مثلما كانت في عصر الأمويين، ومنافساً لبغداد أيام الخلافة العباسية، فأكثروا في تجميلها ونظافتها، وإضافة المرافق العامة بها، حتى قال بعضهم في وصفها “فما على الأرض قط مثل قرطبة”

بهاء الأندلس

لقاءات علمية (موقع الفن الإسلامي)

لقد جذبت بلاد الأندلس كل الأوروبيين بسحرها وجمالها، وازدهار الحضارة الإسلامية فيها، حيث عمَّر العرب -في ما تقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه- مرتفعات وسطوح جبال ما كان أحد يظن أنها يمكن أن يستفاد منها في الزراعة لجفافها الدائم، وعلموا المزارعين طرق زراعة ورعاية التفاح والخوخ واللوز والمشمش والموز والنخيل، كما اهتموا اهتماماً خاصاً بالقطن وقصب السكر، وغير ذلك من النباتات والأشجار التي ما زالت حتى اليوم تمثل جزءاً مهماً من صادرات إسبانيا، وما فتئت حتى اليوم أسماء كثير من الأدوات في الحقل الإسباني تحمل أصولها العربية، ولم يترك العرب شبراً من الأرض إلا واستثمروه، وبفضل تلك الجهود في الزراعة كانت الأرض -زمن عبد الرحمن الثالث- تنتج ثلاثة أو أربعة مواسم كل عام

وبحسب ما أورده جون فريلي في كتابه “نور من الشرق: كيف ساعدت علوم الحضارة الإسلامية على تشكيل العالم الغربي” (المركز القومي للترجمة) فإن استيعاب العلم والفلسفة العربيين الإغريقيين في الجامعات الأوروبية الأولى أدى إلى إحداث شرارة النهضة الثقافية التي بدأت في القرن الثاني الميلادي ودامت حتى أواسط القرن التالي، وأفضى هذا إلى ازدهار ما نتعارف عليه باسم العلم الأوروبي الحديث، بدءاً بدراسات روبرت غروسيتستي وأتباعه في جامعات أكسفورد وباريس في مجال البصريات بصفة خاصة استناداً إلى تراث ابن الهيثم

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

اقرأ ايضا