18.1 C
Amman
الخميس, نوفمبر 21, 2024
الرئيسيةمقالاتوداعا حسين نازك ، معلم العشق الفلسطيني ..!

وداعا حسين نازك ، معلم العشق الفلسطيني ..!

المستقل – علاء الدين ابو زينة 

يوم الخميس، 25 أيار (مايو) 2023، في منفاه في دمشق، رحل عن الدنيا فلسطيني آخر قبل أن يدركه قطار العودة إلى الوطن؛ الموسيقار العظيم حسين نازك. وإذا قلت حسين نازك، ستقول «فرقة العاشقين» التي ساهمت في تشكيل وعي الفلسطينيين وعشاق فلسطين في مرحلة مهمة من النضال الوطني.

ولد حسين في القدس في العام 1942، وهجره الاستعمار الصهيوني منها في العام 1967. وكان قد تتلمذ على المقدسي الآخر، الموسيقار والمؤلف الأوركسترالي الكبير يوسف خاشو. واستقر المقام بحسين في دمشق منذ العام 1969بعد إقامة سنتين في الأردن. وهناك، أسس «فرقة العاشقين» في العام 1976، وكان مديرها منذ تأسيسها وحتى العام 1985. كما أسس أيضا «فرقة زنوبيا» القومية الحديثة، وشارك في تلحين النشيد الوطني الفلسطيني في العام 2005. وتولى في العام 2015 مهمة إحياء وجمع وإعادة تأهيل التراث الفلسطيني الفلكلوري، المكتوب والمسموع والمرئي، كمدير تنفيذي للمشروع الذي أسسته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لهذا الغرض.

لن يحيط مقال قصير بأعمال حسين نازك الموسيقية، من أغاني المسرحيات إلى شارات المسلسلات والبرامج التلفزيونية وموسيقى المناسبات الكبيرة. لكن عمله في «العاشقين» يبرز بشكل خاص لأنه ينتمي إلى عمل المقاومة الشعبية المباشر والمؤثر. كانت أغاني «العاشقين»، وما تزال، وستظل، جزءا من طريقة تعبير الفلسطينيين عن عواطفهم في مناسباتهم الوطنية والخاصة. وسوف يستحضرونها إلى الأبد كجزء من سردهم التاريخي وحكايتهم النضالية.

سوف يروي الفلسطيني، بأغاني حسين نازك لـ»عاشقين»، قصة «سرحان والماسورة»، ونضالات أبو إبراهيم الكبير وعز الدين القسام، كفصول من الكفاح الفلسطيني المسلح المبكر. وسوف يشير إلى بطولة شهداء الثلاثاء الحمراء في سجن عكا الذين «تسابقوا عالموت». وسوف يشهد العالم، بأغاني حسين نازك على ما حدث للفلسطينيين في بيروت، عندما تُركوا وحيدين أمام العدو الصهيوني بلا نصير سوى إرادة المقاومة. وسوف يؤكد الفلسطيني التزامه بالحياة؛ بأن يزرع عود لوز أخضر في تراب الوطن، ويرويه بالدم حتى يُنوّر ويكبر.

بتنوع ثيمات الأغنية التي صنعها حسين نازك، أدت أغاني «العاشقين» بطريقة مثالية كل الأدوار التي ينبغي أن تؤديها الأغنية المناهضة للاستعمار. فقط حفظت اللغة، والرواية، والتقاليد الفلسطينية، وانضمت إلى أدوات تعزيز الصمود الثقافي وتأكيد تميزه وتحدي محاولات تذويبه وطمسه. وبطريقتها السهلة الممتنعة القريبة من روح الشعب، أصبحت أغاني «العاشقين» جزءًا من التعبير العاطفي الفلسطيني في الأعراس والأفراح، واندمجت بسهولة مع أغاني الأمهات والجدات في سياق الاستمرارية غير المنقطعة للتراث الوطني الفلسطيني الحي.

وفي الفترة المضطربة التي ميزتها الفصائلية الفلسطينية أحياناً وتعرض الجميع للهجوم أحياناً أخرى، كانت أغاني حسين نازك مع «العاشقين» نداءات تعبئة وتوحيد، ودعوات إلى تأكيد الروح الجماعية للمقاومة والتضامن. كانت أغاني نازك منصة لبث الرسائل النضالية واستنهاض الدعم وإلهام العمل. وكلما رددوها معاً، تذكر الفلسطينيون وحدة الانتماء والهدف المشترك وإمكانية اندغام التنويعات في تآلف هارموني واحد. وبالتأكيد، كان ما عبرت عنه أعمال نازك نقيضا تاما لاتجاهات تطبيع الهزيمة السائدة اليوم، وهي لذلك مرجعيات يتقوى بها الفلسطينيون المتمسكون بالثوابت الوطنية والاستمرارية التاريخية للوجود الفلسطيني غير المشوه.

كان عمل حسين نازك أداة للتمكين النفسي ورفع الروح المعنوية الفلسطينية في الأوقات الصعبة. وعندما يتسلل الشك ويعز التعبير، ربما ينشد الفلسطيني أغنية عاشقي نازك ليتذكر، ويذكر بمن يكون: «إطلع معانا الجبل، تلقى البواريد/ والثورة شمس الأمل، يا ثورتي قيدي». 

في النشيد الذي افتتحت به «فرقة العاشقين» عروضها، تقول الكلمات، من نظم أحمد دحبور وألحان نازك: «لغة العاشقين هذي الجراح/ من فلسطين أرسلتها الرياح/ هبّة النار والندى حملتها، والعتابا، والميجنا، والسماح/ والكلام المباح ليس مباحا، ونغنيه، فالأغاني سلاح/ سرنا راية على رأس رمح، فأذيعي أسرارنا يا رياح». ويلخص هذا النشيد الرسالة: إنطاق المضطهدين والبوح بما ليس مباحا، واستعمال الأغنية كسلاح. ومن المسلمات أن الأغنية سلاح لا تمكن مصادرته أو منع توزيعه، والذي يقدم سرداً مناوئا لسرد الاستعمار، ويكشف المظالم ويستنطق السلطة، ويستعيد التاريخ والهوية.

سوف نفتقد دائمًا الحضور الحسي لحسين نازك، الفنان المناضل الملتحم بالقضية الوطنية السامية. لكنه من نوع المناضلين الذين لا يُمكن أن يغيب عملهم أو يطويه النسيان. فقد سجل نفسه في التاريخ المكتوب والتراث الشفهي المتاح للتداول. وسوف يحضر كلما ترددت أغانيه الخالدة في مناسبات الفلسطينيين كجزء من التراث العزيز، طالما بقيت الحياة على هذه الأرض.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

اقرأ ايضا