المستقل – حسين الرواشدة
ما هي أبرز الدروس التي يُفترض ان نتعلمها، أردنيا، من الحرب على غزة، في إطار إعادة تعريف مصالحنا الوطنية، وعلاقاتنا مع محيطنا العربي والإقليمي والدولي، ومع الداخل الأردني أيضا؟
يبدو هذا السؤال وجيها لسببين، على الأقل، الأول: هذه الحرب كانت كاشفة، أسقطت الأقنعة، وعرت المواقف، وأزاحت الغموض، رأينا في مراياها صورتنا كما هي، بلا رتوش، كما رأينا صور الأشقاء والحلفاء والأعداء، صحيح أننا كنا نعرف جزءا منها، لكن الآن بعد امتحان الحرب أصبحت مكشوفة، تماما، بالدليل، كما أن التهديد الذي يمكن أن نواجه، قادم الأيام، على اكثر من جبهة، يستدعي ان نفكر بذلك.
الثاني : بروفة المعركة السياسية التي خاضتها الدولة الأردنية، على مختلف الجبهات، لإدانة الحرب ووقفها، ودعم غزة، كانت نموذجا يستحق الاحترام، فقد تحركت السياسة الأردنية، بما لديها من خبرات ومهارات، انطلاقا من ثوابت الدولة، وفي سياق فهم أسباب هذه الحرب وتداعياتها، وموقع الأردن منها، وتأثيرها على مصالحه، وربما حدوده ووجوده أيضا، مما يتطلب البناء على ما تم والاستثمار فيه.
لا يحتمل المقال تقديم مقاربات لما جرى على صعيد سلوك واشنطن والغرب عموما، فقد ثبت أن أي تحالف أو علاقة مع هذه العواصم يظل أسيرا لمعادلة عنوانها «مصلحة إسرائيل»، وبالتالي فإن الرهان عليها يبدو مجرد حسابات خاطئة، جربنا ذلك أكثر من مرة، آخرها صفقة القرن التي انحازت ضد مصالحنا تماما، كما لا يحتمل المقال الدخول في تفاصيل سلوك تل أبيب، لأن ما فعلته في غزة، وأقل من ذلك بالضفة الغربية، ابشع من كل ما يمكن أن يُقال، وهي لن تتردد عن تكراره مع أي طرف يهدد مصالحها، ما يعني أن أي علاقة معها يُفترض أن تكون محل إعادة نظر وتقييم، ومراجعة سريعة أيضا.
على الصعيد العربي والإقليمي، انتزعت عمان موقع الصدارة والسبق في الاشتباك مع وقائع الحرب و اطرافها، كما انتزعت، أيضا، ما يلزم من معرفة وخبرة بمواقف الأشقاء العرب والفاعلين الاقليميين، كل هذا كان ضروريا لمعرفة أين نضع اقدامنا، وما هي خياراتنا في هذه المنطقة، ثم ما الأدوار التي يمكن أن نقوم بها مستقبلا ؟ مراجعات فرز التحالفات، أو ترسيم حدود العمق السياسي، والروافع المناسبة، أصبحت ضرورية، سواء فيما يتعلق بملف القضية الفلسطينية وقواها الداخلية، أو بملفات الإقليم وعواصمه التي تباينت مواقفها تجاه الحرب، بما تم الإعلان عنه، أو بما ظل مستورا وراء الكواليس.
كل هذه المراجعات والاستدارات مطلوبة، في إطار تقدير الموقف، والتحرز لأي تحولات في المستقبل، وكذلك من اجل تنويع الخيارات، بما يتناسب مع تداعيات واستحقاقات المرحلة القادمة، لكن الأهم -بتقديري- هو ملف الداخل الأردني، أقصد ترتيب البيت الأردني، من خلال العلاقة بين الدولة والمجتمع بشكل عام، وبين الإدارات العامة، والنخب التي تمثل الأردنيين وتتصدر المشهد العام، صحيح أن الحرب كشفت عناصر قوة مشتركة بين الطرفين، و أبرزت قيمة «لم الشمل « الوطني، وقدرة الدولة على صناعة انسجام عام، على أهداف محددة، تصب في خدمة المصالح الوطنية العليا، لكن الصحيح، أيضا، هو أن حالة الشارع، بما حفل به من خطاب « حراكي» وتظاهر، تحتاج إلى وقفة عميقة، تتجاوز المجاملات واحتفاءات « الضرورة «، إلى التدقيق بالصورة الوطنية من كافة جوانبها.
يمكن أن أشير هنا إلى جملة ملاحظات، اولا : قضية المواطنة، وما تطرحه من أسئلة، أعتقد أنها ما تزال معلقة بلا إجابات، ثانيا: « القضية الأردنية « كبوصلة تحدد اتجاهات الدولة والمجتمع، وتعكس سلوك الشارع عند الأزمات الكبرى، ثالثا: الخطاب العام للتظاهر، والدعوات التي جرت على هامشه، (الإضراب أو العصيان أو فتح الحدود.. الخ)، وما افرزته من تباينات في تقدير مصلحة الدولة من قبل النخب أولا، وجيل الشباب الغاضب ثانيا، اكتفي بأن أقول : إن بعض أنماط هذا الخطاب كانت خطيرة ( نقطة)، رابعا : الأداء السياسي لبعض إدارات الدولة ومؤسساتها، أقصد النخب الرسمية، كان متواضعا بالمقارنة مع المواقف والإنجازات التي قام بها الملك في أكثر من اتجاه، وعبّر عنها وزير الخارجية بوضوح، ما يعني أن الروافع الرسمية، المؤسساتية، بحاجة إلى فاعلية أكثر، وهذا ما يستدعي المراجعة أيضا، خامسا: حان الوقت لطرح قضية الاعتمادية الوطنية، باعتبارها الخيار الأول والمخرج لأي استدارة قادمة، اقصد، هنا، الاعتمادية في مسارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. الخ، وهي تتطلب تعميق منظومة التحديث الشامل، والتعامل معها بجدية وأمانة، بدون أي تباطؤ أو تأجيل.